لماذا يتألّق أداء بعض الرياضيين بعد سنّ الـ30؟
8/20/2025 7:13:31 AM
لا يزال نوفاك ديوكوفيتش يتفوّق على خصومه الذين يبلغون نصف عمره تقريباً في أكبر ملاعب التنس. ويواصل ليبرون جيمس التحكم في وتيرة مباريات دوري كرة السلة الأميركي للمحترفين. أما في عالم كرة القدم فيلمع إسم ميسي ورونالدو بعد الـ 35، وهو نفس السن الذي فازت فيه أليسون فيليكس بميداليتها الأولمبية الـ 11 في ألعاب القوى.
كيف يزدهر هؤلاء الرياضيون مع العمر؟
وفق ورقة بحثية للدكتور فيدي ديفيس جايهيند من "هوب كوليدج" في هولندا، لا يعود التفوق المستدام لهؤلاء الرياضيين إلى الموهبة أو العزيمة فحسب، بل إلى تقارب قابل للتدريب بين العقل والجسم.
ويوضح جايهيند في ورقته التي نشرها "ذا كونفيرسيشن": "تُظهر الأبحاث بشكل متزايد أن الأنظمة التي تدعم الأداء العالي - من التحكم الحركي إلى تنظيم الإجهاد، إلى التعافي - ليست سمات ثابتة، بل قدرات قابلة للتدريب".
الدماغ واتخاذ القرارات تحت ضغط
تُظهر أبحاث علم الأعصاب أنه مع التعرض المتكرر لمواقف بالغة الخطورة، يبدأ الدماغ بالتكيّف؛ تصبح القشرة الجبهية - المنطقة الأكثر مسؤولية عن التخطيط والتركيز واتخاذ القرارات - أكثر كفاءة في إدارة الانتباه واتخاذ القرارات، حتى تحت الضغط.
وفي المواقف العصيبة، مثل مواجهة نقطة المباراة في نهائي بطولة جراند سلام، يمكن لهذه المنطقة من الدماغ مساعدة الرياضي على الحفاظ على رباطة جأشه واتخاذ خيارات ذكية - ولكن فقط إذا تم تدريبها جيداً.
كاشف التهديدات
في المقابل، يمكن للوزة الدماغية، وهي كاشف التهديدات في دماغنا، أن تؤثر على أدائنا عن طريق إثارة الذعر، أو تجميد الاستجابات الحركية، أو تحفيز قرارات متهورة. مع التعرض المتكرر للحظات حرجة، يُعيد الرياضيون المحترفون تشكيل هذه الدائرة الدماغية تدريجياً.
ويتعلم هؤلاء الرياضيون ضبط تفاعلية اللوزة الدماغية والحفاظ على نشاط القشرة الجبهية الأمامية، حتى عند ارتفاع الضغط. تُمكّن هذه الدائرة الدماغية المحسّنة الرياضيين ذوي الخبرة من الحفاظ على سيطرتهم على مشاعرهم.
إنشاء حلقة بين الدماغ والجسم
وفق جايهيند، عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ، أو BDNF، هو جزيء يدعم التكيف مع التغيرات بسرعة. تخيّلوه كسماد للدماغ. فهو يعزز اللدونة العصبية: قدرة الدماغ على إعادة برمجة نفسه من خلال التجربة والتكرار.
وتساعد إعادة البرمجة هذه الرياضيين على بناء وتعزيز أنماط الروابط بين خلايا الدماغ للتحكم في مشاعرهم، وإدارة انتباههم، والتحرك بدقة.
استراتيجية التعافي
تزداد مستويات BDNF مع النشاط البدني المكثف، والتركيز الذهني، والتدريب المُتأني، خصوصاً عند دمجها مع استراتيجيات التعافي مثل النوم والتنفس العميق. وترتبط مستويات BDNF المرتفعة بتحسّن القدرة على مواجهة التوتر، وقد تدعم التعلم الحركي بشكل أسرع، وهي عملية تطوير أو تحسين أنماط الحركة.
مثلاً، بعد خسارة مجموعة، غالباً ما يُعيد ديوكوفيتش ضبط نفسه بأخذ أنفاس عميقة وبطيئة - ليس فقط لتهدئة أعصابه، بل للتوقف موقتاً واستعادة السيطرة. يساعده هذا التنفس الواعي على استعادة تركيزه، ومن المرجح أن يُهدئ إشارات التوتر في دماغه.
في مثل هذه اللحظات، يُحتمل أن يُتيح له ارتفاع مستوى BDNF تنظيم عواطفه وإعادة ضبط استجابته الحركية، ما يُساعده على العودة إلى ذروة أدائه بشكل أسرع من خصمه.
إعادة برمجة الدماغ
في جوهر الأمر، يُعيد الرياضيون الذين يتدربون ويتنافسون بشكل متكرر في بيئات مرهقة الضغط برمجة أدمغتهم للاستجابة بشكل أكثر فاعلية لتلك المتطلبات.
وتساعد إعادة البرمجة هذه، الناتجة عن التعرضات المتكررة، على تعزيز مستويات BDNF، وبالتالي الحفاظ على حدة قشرة الفص الجبهي، وتقليل ميل اللوزة الدماغية إلى المبالغة في رد الفعل. هذا النوع من الضبط البيولوجي هو ما يطلق عليه العلماء "الاحتياطي المعرفي" و"الاستتباب" - وهي العملية التي يستخدمها الجسم لإجراء تغييرات استجابةً للتوتر أو المتطلبات البيئية للحفاظ على استقراره.
ليس حكراً على الرياضيين
من المهم أن هذا التكيّف ليس حكراً على الرياضيين المحترفين.
وتظهر الدراسات التي أُجريت على البالغين من جميع الأعمار أن النشاط البدني المنتظم - خصوصاً التمارين التي تحفّز الجسم والعقل - يمكن أن يرفع مستويات عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ (BDNF)، ويحسّن قدرة الدماغ على التكيف والاستجابة للتحديات الجديدة، ويقلل من ردود الفعل تجاه التوتر.
وأثبتت البرامج التي تجمع بين الحركة الهوائية (الأيروبيك) ومهام التنسيق، مثل الرقص أو التمارين المعقدة أو حتى المشي السريع أثناء حل المشكلات، أنها تحافظ على مهارات مثل التركيز والتخطيط والتحكم في الانفعالات وتنظيم المشاعر مع مرور الوقت.