"ضمّ الضفة"... فكرة تستحيل خطة عملية
نايف عازار
9/6/2025 6:11:24 AM
عادت نغمة ضمّ "السواد الأعظم" من أراضي الضفة الغربية شبه المحتلّة أصلًا لتضرب مجدّدًا على وتر المنظومة السياسية الإسرائيلية اليمينية المتطرّفة الحاكمة، بزعامة بنيامين نتنياهو، أحد أشدّ رؤساء الحكومات العبرية تطرّفًا، والذي لا يتورّع عن اقتناص أي "فرصة احتلالية سانحة" لقضم مزيد من أراضي الفلسطينيين في "يهودا والسامرة"، بحسب التسمية التوراتية.
فوزير المال بتسلئيل سموتريتش، الذي يُعَدّ أحد صقور "بيبي" المتزمّتين دينيًا وسياسيًا، لم يجد أي وَجَل في الإفصاح في الآونة الأخيرة عن أن بلاده تعمل على رسم خرائط لضمّ أراضٍ في الضفة الغربية، وهو وقف خلال مؤتمر صحافي في القدس أمام خريطة تشير إلى إمكانية ضمّ معظم أراضي الضفة، باستثناء ست مدن فلسطينية كبيرة منها رام الله ونابلس، والتي تُعتبر خزانًا بشريًا فلسطينيًا يشكّل صداعًا ديموغرافيًا مزمنًا لصنّاع القرار في تل أبيب. فسموتريتش جاهر بأنه يريد إخضاع "أكبر مساحة من الأرض وأقلّ عدد من السكان الفلسطينيين للسيادة الإسرائيلية"، وحض نتنياهو على قبول خطّته، التي تُعدّها إدارة يشرف عليها بنفسه في وزارة الدفاع.
بيد أن رئيس الحكومة آثر التروي بعض الشيء في الظاهر على الأقلّ، فهو أرجأ البحث رسميًا في خطة سموتريتش، والتي تستلزم رحلة تشريعية طويلة، امتصاصًا لامتعاض محتمل يبديه ربّما قاطن البيت الأبيض، الذي يرفد من دون شك "حليفته المدلّلة" في المنطقة إسرائيل بدعم مطلق، غير أن للرئيس الأميركي أولويات داهمة يريد إتمامها مع حليفته، تتقدّم على ضمّ الضفة في الوقت الراهن، وتبدأ في غزة وتمرّ في سوريا ولا تنتهي في لبنان واليمن، حيث لا تزال أذرع إيران المعطوبة تشكّل إزعاجًا سياسيًا وعسكريًا وعقائديًا لكلّ من تل أبيب وواشنطن، ولا ريب أيضًا في أن ترامب يجهد لتوسيع مروحة "الاتفاقات الإبراهيمية"، ويرنو بذلك للظفر بجائزة "نوبل للسلام"، وبالتالي دخول التاريخ كـ"صانعٍ للسلام من خلال القوّة".
مساعي الدولة العبرية التوسعية المعلَنة منها والمستتِرة، أثارت سخط دولة الإمارات التي انضمّت إلى "الاتفاقات الإبراهيمية" بمعيّة أميركية عام 2020، والتي جزمت بأن ضمّ إسرائيل للضفة الغربية سيكون "خطًا أحمر" بالنسبة إليها وسيُهدّد "اتفاقات أبراهام"، ما حدا بنتنياهو إلى سحب بند ضمّ الضفة من جدول أعمال اجتماع الحكومة الخميس الفائت.
وهنا يقف المراقبون العرب عند ما يعتبرونه "نكث العرّاب الأميركي بوعوده"، فاتفاقات السلام العربية - الإسرائيلية التي أُبرمت خلال ولاية ترامب الأولى، تضمّنت شرط وقف الاستيطان في الضفة الغربية، والآن وخلال ولاية ترامب الثانية، ها هي حليفته إسرائيل تمضي في خطط ضمّ حوالى 82 في المئة من أراضي الضفة، من دون أن "يرفّ جفن" لقائد سفينة "العمّ سام".
وبات واضحًا أيضًا أن خطوة اليمين الإسرائيلي، المبارَكة حتمًا من تحت طاولة نتنياهو، تأتي استباقًا وردًا على تعهّدات أطلقتها دول غربية عدّة، أبرزها فرنسا وبريطانيا وأستراليا وكندا، بالاعتراف رسميًا بدولة فلسطينية خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الحالي، بعدما كانت أعلى محكمة في الأمم المتحدة قضت عام 2024 بعدم قانونية احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، بما فيها الضفة، بينما تعتبر تل أبيب أن هذه الأراضي ليست محتلّة من وجهة نظرها القانونية، لأنها "أراضٍ متنازع عليها".
من كلّ ما تقدّم، بات من شبه المؤكد أن فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية أمسى قابلًا للتحقق أكثر من أي وقت مضى، فالضمّ لم يعد مجرّد فكرة تراود الائتلاف الحكومي اليميني، بل استحال خطة عملية بعد "طوفان الأقصى"، إذ تسارعت وتيرة قضم الأراضي والاستيطان في الضفة، في ظلّ نظرية إسرائيلية متطرّفة مفادها أن انسحاب إسرائيل من قطاع غزة قبل 20 عامًا، سمح بقيام كيان شبه مستقلّ، وإن محاصَر، وهذا "الكيان الحمساوي" طوّر قدراته ليباغت الدولة العبرية في 7 أكتوبر، ويشن هجومًا عليها غير مسبوق في تاريخها، وبالتالي إن بقيت الضفة الغربية، بحسب النظرية الإسرائيلية، كيانًا خارجًا جزئيًا عن "بيت الطاعة الإسرائيلي"، وغير خاضع بالكامل للسيطرة الإسرائيلية، فإن الدولة العبرية ستذوق ثانيةً مرارة كأس هجوم جديد، ينطلق هذه المرّة من ربوع الضفة الغربية.