الأرق
الأب الياس كرم
9/6/2025 8:42:12 AM
يطرق بابك في عتمة الليل، لا يستأذن، ولا يُمهلك فرصة للهرب. يتسلّل كما يتسلّل اللص إلى الديار، يسلبك الطمأنينة، ويبدّد عنك النوم، فيغدو جفنك ثقيلًا بلا نوم، وقلبك مزدحمًا بالأفكار.
لا تدري في بادئ الأمر ما الذي أقضّ مضجعك، حتى تبدأ خيوط النهار المنصرم تتسلّل إلى وعيك: توترٌ مرير، صدمة من قريبٍ أو صديق خذلك، أو كلمة جارحة لم تكن في الحسبان. تمضي الليلة كأنها ساحة صراع، تتقاذفك الذكريات، وتنهال عليك الأسئلة، فيزدحم رأسك بما مضى، ويتعثّر جسدك عن الراحة.
إنه الأرق، ذاك الرفيق الثقيل في زمنٍ كثرت فيه الصدمات وقلّ فيه السكون. فكم من موقفٍ عابرٍ انقلب إلى خيبة، وكم من علاقةٍ انكشفت عن وجهٍ لا نعرفه! تمتلئ الحياة بمن أراد بك السوء، لا لذنبٍ اقترفته، بل لحسدٍ كامن، أو غيرةٍ سوداء، أو أنانيةٍ لا تشبع، أو رياء غير متوقع. وهكذا، تُصاب النفس بسهامٍ لا تُرى، لكنها تنفذ إلى الأعماق، فينهك الجسد، ويضيع النوم.
تحاول أن تُهدّئ من روعك. تُصلي، تقرأ، تُشغل التلفاز، تتصفح ما تيسّر من منصات، لكن لا شيء يطفئ ذلك الحريق الداخلي. وحدها الكتابة، حين تنبع من القلب، قد تخفف وطأة هذا الليل الطويل. هكذا، وجدتُني أدوّن هذه السطور في ساعةٍ أطبق فيها النعاس جفنيّ، بعد أن هدّني السهر.
نعم، حياتنا ليست خالية من العثرات. بل إن السيد المسيح حذّر منها قائلًا: "ويلٌ للعالم من العثرات! فلا بد أن تأتي العثرات، ولكن ويلٌ لذلك الإنسان الذي به تأتي العثرة" (متى ١٨: ٧).
كثيرًا ما ننسى أن بعض العثرات سببها نحن، بضعفنا، بتهاوننا، بانجرافنا إلى مشاعر الانتقام أو الحقد. نريد سلامًا، لكننا لا نُقاتل لأجله بما يكفي.
من يسعى إلى حياة مملوءة سلامًا حقيقيًا، سيجد الشيطان له بالمرصاد. ولكن بالصلاة، بالصوم، بالتأمل في كلمة الله، وبقيادة الروح القدس، تنضج أرواحنا وتتقوّى، فننتصر على كل اضطراب، ونطرد الأرق من ليالينا.
فكما كُتب: "إن عشتم حسب الجسد فستموتون، ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون" (رومية ٨: ١٣).
إنه علاجٌ نقي، يشفي النفس، ويُطهّر القلب، ويُعيد إلى الروح هدوءها، وإلى الجسد نعاسه، فيعمّ السلام.