أزمة حكم في فرنسا... هل دقت ساعة الجمهورية السادسة؟
أندريه مهاوج
10/9/2025 6:55:23 AM
أنهى رئيس الحكومة الفرنسية المستقيل سيباستيان لوكورنو مشاوراته مع الأحزاب والقوى السياسية لبحث إمكان التوافق على مخرجٍ للأزمة الناجمة عن عدم قدرته على تشكيل حكومة تحظى بأكثرية برلمانية تمنحها الثقة وتكون قادرة على تمرير موازنة 2026. وأطلع لوكورنو الرئيس إيمانويل ماكرون على نتائج مشاوراته قبل أن يتحدّث إلى الفرنسيين في مداخلة متلفزة مساء أمس، معلنًا انتهاء مهمّته، إذ إن الغالبية في البرلمان ترفض حلّه. ورجّح تسمية رئيس وزراء جديد في غضون 48 ساعة، معتبرًا أن احتمال إجراء انتخابات برلمانية مبكرة يتضاءل، بينما وصلت مواقف بعض الأحزاب إلى حدّ المطالبة بحلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة تنتج أكثرية. ولم يتوان البعض عن المطالبة بإقالة ماكرون، لكن المجلس الدستوري حسم الأمر بإعلانه أن هذه الخطوة مرفوضة.
أجرى لوكورنو سلسلة لقاءات مع قادة الأحزاب الممثلة في الجمعية الوطنية، غير أن حزبي "فرنسا الأبية" اليساري المتطرّف و "التجمّع الوطني" اليميني المتشدّد، رفضا المشاركة في هذه المشاورات، معتبرين أنها "مجرّد مناورة لتأجيل المواجهة السياسية الحتمية". وأعلن "التجمّع الوطني" أنه سيصوّت ضدّ أي حكومة تنبثق عن هذه الآلية، ما يعني أن لوكورنو فقد أيّ أمل في تشكيل أكثرية سياسية صلبة.
في المقابل، شهدت لقاءات لوكورنو مع الأحزاب الوسطية واليسارية التقليدية نوعًا من التقارب الحذر حول ضرورة إعداد موازنة قبل نهاية السنة، لتفادي الشلل في المؤسّسات الرسمية، إلّا إذا اعتمدت القاعدة الإثنتي عشرية التي يسمح الدستور باعتمادها في مثل هذه الحالة. تسمح القاعدة الإثنتي عشرية للحكومة باعتماد موازنة العام الماضي.
واتفقت معظم الأطراف على وجوب إبقاء العجز العام بين 4.7 و5 في المئة من الناتج المحلّي، وعلى تأكيد ضرورة حماية الفئات الضعيفة من أي إجراءاتٍ تقشفية جديدة، لكن هذا التوافق بقي إطارًا عامًا من دون التزامات سياسية أو مواقف علنية تدعم تشكيل حكومة جديدة.
الخلافات الجوهرية ما زالت عميقة، إذ رفض حزب "الجمهوريون" بشكل قاطع تعليق إصلاح نظام التقاعد، واعتبر ذلك "تنازلًا مرفوضًا أمام الشارع". أمّا الحزب الاشتراكي، فطالب بمراجعة شاملة للإصلاح وليس مجرّد تجميده، في حين أبدت أحزاب الغالبية السابقة استعدادًا لمناقشة تحسينات جزئية تتعلّق بالنساء العاملات وصعوبات المهن، من دون المساس ببنية الإصلاح الأصلية. هذه المواقف المتناقضة تجعل أي اتفاق شامل مستحيلًا في المدى المنظور.
لا يُستبعد خيار حلّ الجمعية الوطنية إذا فشل أي توافق على الموازنة. من منظور سياسي، كانت مهمّة لوكورنو شبه مستحيلة، فالرجل الذي استقال قبل أن يحكم واجه مهمّة جمع أشلاء نظام سياسي متشظ، في وقت يتصاعد فيه الغضب الاجتماعي والضباب الاقتصادي. ما أنجزه لا يتجاوز تفاهمات لفظية حول مبادئ عامة، من دون أن يترجم ذلك إلى اتفاق برلماني أو تحالف قابل للحياة. قال المحلّل السياسي الفرنسي باتريك مارتا إن "لوكورنو حاول إعادة بناء الجسور بين الغالبية السابقة والمعارضة المعتدلة، لكنه اكتشف بسرعة أن الجميع ينتظر سقوط الآخر"، معتبرًا أن "لا أحد يريد تحمّل ثمن الإصلاحات المقبلة".
باختصار، تجد فرنسا نفسها مرّة أخرى في أزمة حكم مزمنة: رئيس وزراء مستقيل يُكلّف بالتشاور ويفشل في مهمّته، أحزاب منقسمة، ورئيس يحاول كسب الوقت في مواجهة ساعة سياسية لم تعرف الجمهورية الخامسة مثيلًا لها وقد تؤدّي للانتقال إلى الجمهورية السادسة، وهو ما لم تعد الأحزاب السياسية تخفي إمكانية حصوله، خصوصًا أن زعيم "فرنسا الأبية" جان لوك ميلونشون أثار هذه الفرضية خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة في العام 2022.