قلعة بعلبك: شاهدة تاريخ.. ومسرح فن.. وجوهرة تراث

الأب الياس كرم

10/18/2025 8:45:23 AM

 

كنا على موعدٍ مع العظمة مساء الأربعاء الفائت، حين عُرضت عبر شاشة mtv سهرة فنية استثنائية بأصداء رحبانية خالدة، اقتحمت قلعة بعلبك بهيبتها وشموخها، فتناغمت الفخامة مع الفن، والتاريخ مع النغمة، والحجر مع الحرف.

"حقبات"، العمل الذي وقّعه الموسيقي الفذّ أسامة الرحباني، وأضاءته بصوتها الملائكي هبة طوجي، لم يكن عرضًا فنيًا عابرًا، بل كان شهادة حياة، واحتفالًا بالأصالة، وانسكابًا للروح في هيكلٍ من لحن وكلمة وضوء. سهرة، ما جمعه الله فيها من جمال، لا يقدر ناقد أو مشكك على تفريقه أو النيل من مكانته.

هناك، في بعلبك، في حضن تلك القلعة التي عصت على الزمن والغزاة، ارتفعت تسابيح الفن الأصيل كالبخور، ولامست نغمات السماء شغاف الأرض. قلعة، لم تنحنِ لجبروت الطغاة، ولم تطمس ملامحها قسوة الحروب، ستظل شاهدة على حضاراتٍ سكنت أرضنا وكتبت تاريخها بحروفٍ من نور.

من الفينيقيين إلى الإغريق، حين سُمّيت "هيليوبوليس" مدينة الشمس، مرورًا بالرومان ثم الحضارات الإسلامية، تجسّدت بعلبك كمزيج إلهي من عبقرية البشر ولمسة من الخلود. وكأن الرب نفسه خطّ تفاصيلها لتكون أيقونةً من أعظم معالم العالم القديم، وجوهرة التراث اللبناني.

أما "حقبات"، فكانت أكثر من مجرد عرض:
كانت لحظة تجلٍّ.
كانت نافذة عبر الزمان.
كانت صلاةً مرئية ونغمةً ناطقة.
كانت مَلحَمة الفن الجميل.

أسامة الرحباني اصطحبنا برشاقة مبدع في رحلةٍ عبر التاريخ، بأسلوب فني يمزج بين الحنين والحداثة، بين الموروث والتقنية، فأحيا ذاكرة القلعة بتقنيات بصرية مذهلة وإسقاطات ضوئية مشهدية ثلاثية الأبعاد، ترافقت مع مقطوعات موسيقية تلامس القلب.

هبة طوجي، بصوتها الذي لا يشبه إلا ذاته، زرعت في صخور بعلبك نغمةً لن تزول، وقدّمت تحيةً مؤثرة لرواد الفن اللبناني، ولا سيما منصور الرحباني، في مناسبة مئوية ولادته. لحظات سحرية امتزجت فيها مقاطع من أعمال خالدة مثل "صيف 840"، فجاء المشهد تجسيدًا حيًا لعراقة الكلمة ونبض الوطن.

أعترف بغيرةٍ نبيلة ممن حضروا تلك الليلة في مدرّجات بعلبك، حيث تناغم الصوت مع الحجر، وانسابت الكلمات كالندى على أعمدة الزمان. تمايل الحاضرون على أنغام الإبداع، وشهدوا كيف تُبعث القلاع، لا فقط من التاريخ، بل من الفن أيضًا.

شكراً لأسامة، الذي صاغ من الأصوات صلوات، ومن الأنغام مزامير.
وشكراً لهبة، تلك الصوت المضيء، الروح العذبة، 
وشكراً للفرقة الموسيقية، للفنيين، وللجنود المجهولين الذين ألبسوا القلعة حلة من نور وصوت ودهشة.
وشكراً لـmtv التي جعلتنا نختبر هذا الجمال، رغم بعد المسافة.

الموسيقى، كما قال القديس بولس، تسبيحٌ روحي، وتعليمٌ للإيمان، وتعبيرٌ صادق عن كل ما يختلج في الروح من حزن وفرح:
"مُكَلِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ، مُتَرَنِّمِينَ وَمُرَتِّلِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ." (أفسس ٥: ١٩)

فليكن الفن المتحضّر، لا الهابط، جسرًا نحو السلام، والموسيقى الراقية صلاةً نحو السماء، ولتبقَ بعلبك، كما كانت دائمًا، شاهدة على المجد، منقوشة بألحان لا تُنسى، ومحفوفة بوهج لا يبهت.


All rights reserved. Copyrights © 2025 mtv.com.lb
  • أسرارهم أسرارهن
  • أخبار النجوم
  • سياسة
  • ناس
  • إقتصاد
  • فن
  • منوعات
  • رياضة
  • مطبخ
  • تكنولوجيا
  • جمال
  • مجتمع
  • محليات
  • إقليمي ودولي
  • من الصحافة
  • صحة
  • متفرقات
  • ABOUT_MTV
  • PRODUCTION
  • ADVERTISE
  • CAREERS
  • CONTACT