أعطونا السلام
الأب الياس كرم
12/13/2025 8:19:00 AM
الحياة تنبض فرحًا، والناس تشقّ الطرقات طربًا بقدوم العيد. لبست بيروت أبهى حلل الميلاد، لا بحجارتها إنّما بشعب لبنان الذي يأبى الاستسلام لثقافة القهر والوجع والحزن.
مشوارٌ أرادته العائلة إلى قلب بيروت أعادني إلى ما قبل الحرب: سوق إياس، سوق الطويلة، سوق الأروام، ساحة الشهداء… تجربة جميلة ومبهرة حملت الفرح إلى قلبي. لبنان بكل أطيافه يطوف شوارع الوسط التجاري في قلب بيروت النابض بالحب والجمال والفرح والعظمة. وكما بيروت كذلك جبيل والبترون ومعظم المناطق اللبنانية لبست حلّة العيد. فعلًا نحن شعب يحبّ الحياة ويرفض الاستسلام للألم والوجع والحزن. نحن قوم عظّم الله أرضنا إذ خلقنا على اختلاف مللنا لنكون نموذجًا في هذا الشرق الذي وُلد فيه السيّد المسيح.
وبينما كانت عيوننا تسرح في مشاهد الزينة، والناس - مسلمين ومسيحيين - يجوبون الشوارع ابتهاجًا بهذا الموسم المبارك، انتصب أمامي مبنى صحيفة النهار. وفي الذكرى العشرين لاستشهاد الحبيب جبران تويني، مرّت في ذاكرتي محطّات كثيرة جمعتني بهذا الرجل المميّز منذ انطلاقة نهار الشباب، وصدى قسمه يصرخ: "نقسم بالله العظيم، مسلمين ومسيحيين، أن نبقى موحّدين إلى أبد الآبدين، دفاعًا عن لبنان العظيم."
على الرجاء يا جبران أن نبقى موحّدين، وأن نعيش العيد الذي اشتهيته في نضالاتك وخطاباتك وأعمالك، وفي رؤيتك الواضحة لبلد صنعه الله فخرّبه البشر.
يبقى الأمل، ويبقى الإيمان، ويبقى الرجاء بلبنان العيد. فالعيد ليس أضحوكة ولد، ولا سفرة عائلة، ولا شجرة وهديّة. لبنان العيد هو في سلامه مع كل إشراقة شمس وكل إطلالة قمر؛ في طيبة شعبه الذي يتطلّع إلى فجر السلام الذي ننتظره لنحقّق وثبات قلّ نظيرها في العالم. العيد في وعينا أن القلب مذود، والعقل دربٌ لخلاص النفس والروح.
"أعطونا السلام" الذي ضاع في غياهب الحرب الأهلية والنزاعات الداخلية والتعصّب الطائفي.
"أعطونا السلام" الذي بات حاجةً ملحّةً لمستقبل أبنائنا.
أعطونا السلام لنقدّم ما نملك من إبداع ونساهم في صناعة تاريخ جديد.
أعطونا السلام والطمأنينة والأمان، ولكم منّا الامتنان.
ويبقى السلام الحقيقي ننشده في هذا العيد، مع الملائكة الذين صدحت أصواتهم تهدي الرعاة إلى بيت لحم وهم يصرخون:
"المجدُ للهِ في الأعالي، وعلى الأرضِ السلامُ، وبالناسِ المسرّة" (لوقا ٢: ١٤).