إجتماع "الميكانيزم": تفاوض مدني تحت سقف وقف الأعمال العدائية

داود رمال

12/20/2025 6:27:39 AM

بعد الاجتماع الأول الذي اتخذ طابعًا استكشافيًا، عقد أمس الاجتماع الثاني للجنة "الميكانيزم"، وهو الثاني الذي يترأس الوفد فيه مدني من الجانبين اللبناني والإسرائيلي، ما يضفي على هذا المسار بعدًا سياسيًا وتقنيًا أكثر وضوحًا، ولو أنه لا يزال محفوفًا بالتباينات الحادة.

الاجتماع ترأس فيه السفير سيمون كرم الوفد اللبناني، وجاء الطرح اللبناني منطلقًا من مقاربة تفاوضية تضع شكل التفاوض وأهدافه في صلب النقاش قبل الدخول في التفاصيل، مستندة إلى أولويات واضحة تبدأ بوقف العمليات العدائية، ثم الانسحاب الإسرائيلي من النقاط الخمس المحتلة، فإطلاق الأسرى، وصولًا إلى تثبيت الحدود البرية.

هذا الطرح عكس محاولة لبنانية لضبط إيقاع التفاوض ومنع انزلاقه إلى مسار أحادي يفرضه الطرف الإسرائيلي، من خلال التأكيد على أن أي معالجة للملفات الأخرى يجب أن تمر أولًا عبر وقف النار، باعتباره المدخل الطبيعي لأي تهدئة مستدامة. في المقابل، بدا موقف رئيس الوفد الإسرائيلي أوري ريزنيك أقرب إلى تثبيت الشروط المسبقة منه إلى البحث في تسوية متدرجة، إذ تحدث عن امتلاك الإسرائيليين "أدلة كافية" تفيد بأن نزع السلاح جنوب الليطاني لم ينته بعد، متسائلًا عمّا وصفه بواقع شمال الليطاني، ومؤكدًا أن لا حديث عن وقف الأعمال القتالية قبل بدء نزع السلاح في هذه المنطقة، في محاولة واضحة لقلب سلم الأولويات وربط وقف النار بشروط أمنية واسعة تتجاوز نطاق البحث الحالي.

ضمن الاستراتيجية التفاوضية اللبنانية، يُدرك المعنيون أن المسار الأصعب سلفًا هو مسار وقف العمليات العدائية، نظرًا لتشابكه مع الحسابات العسكرية والسياسية الإسرائيلية ومع السقف المرتفع الذي تحاول تل أبيب فرضه. أما المسار الأقل صعوبة نسبيًا، فيتمثل في طرح الانسحاب من التلال الخمس المحتلة، رغم أن مدى التجاوب الإسرائيلي مع هذا المطلب لا يزال غير محسوم حتى الآن. ويأتي مسار إطلاق الأسرى، سواء دفعة واحدة أو عبر الإفراج عن عدد منهم، كمسار ثالث يُصنف أيضًا ضمن الخيارات القابلة للبحث، خصوصًا إذا ما جرى التعامل معه كبند إنساني أو كجزء من سلة تفاهمات مرحلية.

في المقابل، يُعدّ مسار تثبيت الحدود البرية المسار الأسهل تقنيًا وقانونيًا، إذ إن لبنان لا ينطلق فيه من نقطة الصفر، بل يستند إلى ما أنجزه الجيش اللبناني في اجتماعات الناقورة عام 2018، التي عُقدت تحت مظلة الأمم المتحدة وبإشراف قائد قوات "اليونيفيل" يومها الجنرال مايكل بيري، حيث جرى الاتفاق على ثماني نقاط من أصل ثلاث عشرة نقطة متنازع عليها، فيما بقيت نقاط معقدة أبرزها رأس الناقورة (B1) والعديسة وغيرها. الانطلاق من هذا المسار يمنح لبنان أفضلية تفاوضية، لأنه يبني على ما هو متفق عليه أصلًا، وفي حال التوصل إلى اتفاق شامل يمكن تحقيق مكسب مزدوج يتمثل في التثبيت النهائي للحدود البرية وإنهاء احتلال التلال الخمس في آن واحد.

وبغض النظر عن النتائج التي قد تفضي إليها الجلسة الثالثة المقبلة، أو عن المسار الذي سيُعتمد لاحقًا، فإن الثابت أن التفاوض، بكل ما يحمله من تعقيد وبطء وتناقضات، يبقى خيارًا أقل كلفة من بدائل أخرى، وفي مقدّمها الحرب. فالإبقاء على هذا المسار مفتوحًا، ولو بحدوده الدنيا، يشكل حتى الآن الإطار الوحيد المتاح لإدارة الصراع وضبطه، ومحاولة منع انتقاله من طاولة التفاوض إلى ساحة المواجهة المفتوحة.
All rights reserved. Copyrights © 2025 mtv.com.lb
  • أسرارهم أسرارهن
  • أخبار النجوم
  • سياسة
  • ناس
  • إقتصاد
  • فن
  • منوعات
  • رياضة
  • مطبخ
  • تكنولوجيا
  • جمال
  • مجتمع
  • محليات
  • إقليمي ودولي
  • من الصحافة
  • صحة
  • متفرقات
  • ABOUT_MTV
  • PRODUCTION
  • ADVERTISE
  • CAREERS
  • CONTACT