هل أيقَنَ جنبلاط أنّ الجثة لن تمرّ؟
طوني عيسى
10/18/2013 6:46:18 AM
هل تكلَّم الرئيس بشار الأسد عن معلومات أم تحليل عندما قال: «أنا لا أستبعد أن أرى جنبلاط مجدداً في دمشق»؟ ربما لا هذه ولا تلك. ربما هي طريقة أخرى لتوجيه الدعوة إلى الزعيم الدرزي. تَعال، فالباب مفتوح!
إذا ذهب النائب وليد جنبلاط هذه المرّة إلى دمشق، فالأرجح أن الأسد لن يكون في حاجة إلى الطلب من حلفائه اللبنانيين إقفال الباب عليه. ويقول البعض إن جنبلاط نفسه لن يغامر مجدداً بالخروج. ففي الخارج انتظارٌ على ضفة النهر إلى ما لا نهاية. وإذا كان الأميركيون والروس والإيرانيون والإسرائيليون... ومعظم العرب لا يريدون إطاحة الأسد، فماذا تنتظر قوى لبنانية صغيرة وضعيفة وخائفة على مصيرها، وماذا يُنتَظَر منها؟
أساساً، منذ إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، لم يقم جنبلاط بأيّ عمل لا يحظى برضى "حزب الله"، لا في السياسة ولا في الأمن. وحتى إسقاط الحكومة الميقاتية، جاء في اللحظة التي يريدها "الحزب". وأما تكليف الرئيس تمام سلام فجاء مشروطاً بتأليف حكومة سياسية تتبنّى ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة". ولذلك، لا حكومة في الأفق.
وما تنَصُّلُ جنبلاط من صيغة "8+8+8"، وتبَنّيه صيغة "9+9+6"، سوى تفصيل تقني. فالصيغتان تضمَنان الغلبة لفريق "8 آذار" إذا كان جنبلاط يتمَوضع سياسياً إلى جانبه. لكن لغة الأرقام تترجم انعطافة في الموقف السياسي، لا تقتصر على الملف الداخلي، بل تتجاوزه إلى الملف السوري. فالهجوم المباشر والعنيف الذي شَنّه جنبلاط على تيار "المستقبل"، واتهام النائب عقاب صقر بالانغماس في النزاع السوري، يؤشران إلى اتجاه جديد للبورصة الجنبلاطية.
وفي وضوح أكبر، الحريري له طريقته في حماية نفسه... وكذلك جنبلاط. الأول يتغَرّب جسدياً، والثاني يتهرّب سياسيّاً. وطريقة الاحتماء، في قوانين الطبيعة، تختلف وفقاً للأرض وظروف الخوف. ويُصادَف وجود الحريري وجنبلاط معاً في باريس، لكنّ الجامع بينهما هو الوجع. فكلاهما متوعّك جسدياً على الأقل. وما جمعه الوجع تفرّقه المصالح.
بالنسبة إلى جنبلاط، إنها الواقعية أو البراغماتية. وبالنسبة إلى دمشق و"حزب الله"، إنّها علامة الطمأنينة إلى أنّ القرار الجنبلاطي تحت السيطرة. أما بالنسبة إلى "14 آذار" فهي علامة أخرى على أن القرار السياسي كلّه تحت السيطرة.
فالأسد يتدبّر وسيلة للبقاء عاماً آخر، وربما ولاية أخرى. ويواكبه الحلفاء اللبنانيون باستمرار إمساكهم بالسلطة والأجهزة والمؤسسات والإستحقاقات الدستورية، من التمديد للمجلس النيابي إلى تعطيل بانتخابات الرئاسة وتحَكُّم بها. وإيران تفتح حواراً متقدماً مع الغرب.
هل تعِبَ جنبلاط من الانتظار على ضفة النهر؟ أم يئِسَ من عبور جثة الخصم؟ أم خاف من أن تَعبُر أمامه جثث الأصدقاء قبل الأعداء؟ أم خاف من تقلبات جوية تؤدي إلى فيضان النهر؟
في ذهن جنبلاط، بعد التجربة المذهلة للكيماوي السوري، وتبلور التواطؤات الإقليمية والدولية في سوريا، بَاتت الصورة واضحة جداً. وهو أساساً حذّر من المراهنات على الـ"توماهوك" والضربة الأميركية. واليوم، لم تعد هناك حاجة إلى التحليل بعدما اكتملت الوقائع وتكفّلت بتقديم الأجوبة.
في أوساط جنبلاط كلام كثير هذه الأيام: إن لبنان دفع 100 ألف قتيل قبل التوصّل إلى إتفاق الطائف. وقد سبقت هذا الاتفاق محاولات عدة لوَقف الحرب، لكنها لم تصمد. واليوم، دفعت سوريا أكثر من 100 ألف قتيل، ولن يتم التوصّل إلى اتفاق في جنيف أو سواها إلا بعد جولات من المعارك وربما 100 ألف قتيل آخرين. فالحرب هناك طويلة، وربما تستمر 15 عاماً أيضاً.
ويخشى جنبلاط أن يدفع لبنان ثمن الحرب في سوريا، فعندما كانت الحرب الأهلية مُندلعة في لبنان، كانت سوريا مستقرّة. أمّا اليوم، فهناك حرب أهلية في سوريا، لكن لبنان غير مستقرّ. وهذا ما يهدّد بانفجار لبنان أيضاً. ولذلك، يجب على الجميع في لبنان أن ينظروا إلى المسألة واقعياً.
البعض يعتقد أن جنبلاط ينجز اليوم انعطافة جديدة نحو المحور السوري - الإيراني، تُداري الوقائع، وسيعود عنها عندما تنقلب التوازنات في سوريا مجدداً.
وهذا الاعتقاد صحيح. فجنبلاط لم يتوقف عن الدوران في الحلقات منذ العام 2005، لعلّه يهتدي إلى شاطئ ما. لكن هذا الاعتقاد عبثيّ، لأن سوريا ماضية في توازناتها الحالية حتى الصيف المقبل، وإلى ما بعده، أي إلى ما بعد استحقاق الرئاسة في سوريا ونضوج التسويات المفروضة على الجميع.لا جنبلاط ولا أيّ طرف لبناني آخر سيكونان قادرين على مواجهة الزمن لسنوات أخرى.
إذا ذهب النائب وليد جنبلاط هذه المرّة إلى دمشق، فالأرجح أن الأسد لن يكون في حاجة إلى الطلب من حلفائه اللبنانيين إقفال الباب عليه. ويقول البعض إن جنبلاط نفسه لن يغامر مجدداً بالخروج. ففي الخارج انتظارٌ على ضفة النهر إلى ما لا نهاية. وإذا كان الأميركيون والروس والإيرانيون والإسرائيليون... ومعظم العرب لا يريدون إطاحة الأسد، فماذا تنتظر قوى لبنانية صغيرة وضعيفة وخائفة على مصيرها، وماذا يُنتَظَر منها؟
أساساً، منذ إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، لم يقم جنبلاط بأيّ عمل لا يحظى برضى "حزب الله"، لا في السياسة ولا في الأمن. وحتى إسقاط الحكومة الميقاتية، جاء في اللحظة التي يريدها "الحزب". وأما تكليف الرئيس تمام سلام فجاء مشروطاً بتأليف حكومة سياسية تتبنّى ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة". ولذلك، لا حكومة في الأفق.
وما تنَصُّلُ جنبلاط من صيغة "8+8+8"، وتبَنّيه صيغة "9+9+6"، سوى تفصيل تقني. فالصيغتان تضمَنان الغلبة لفريق "8 آذار" إذا كان جنبلاط يتمَوضع سياسياً إلى جانبه. لكن لغة الأرقام تترجم انعطافة في الموقف السياسي، لا تقتصر على الملف الداخلي، بل تتجاوزه إلى الملف السوري. فالهجوم المباشر والعنيف الذي شَنّه جنبلاط على تيار "المستقبل"، واتهام النائب عقاب صقر بالانغماس في النزاع السوري، يؤشران إلى اتجاه جديد للبورصة الجنبلاطية.
وفي وضوح أكبر، الحريري له طريقته في حماية نفسه... وكذلك جنبلاط. الأول يتغَرّب جسدياً، والثاني يتهرّب سياسيّاً. وطريقة الاحتماء، في قوانين الطبيعة، تختلف وفقاً للأرض وظروف الخوف. ويُصادَف وجود الحريري وجنبلاط معاً في باريس، لكنّ الجامع بينهما هو الوجع. فكلاهما متوعّك جسدياً على الأقل. وما جمعه الوجع تفرّقه المصالح.
بالنسبة إلى جنبلاط، إنها الواقعية أو البراغماتية. وبالنسبة إلى دمشق و"حزب الله"، إنّها علامة الطمأنينة إلى أنّ القرار الجنبلاطي تحت السيطرة. أما بالنسبة إلى "14 آذار" فهي علامة أخرى على أن القرار السياسي كلّه تحت السيطرة.
فالأسد يتدبّر وسيلة للبقاء عاماً آخر، وربما ولاية أخرى. ويواكبه الحلفاء اللبنانيون باستمرار إمساكهم بالسلطة والأجهزة والمؤسسات والإستحقاقات الدستورية، من التمديد للمجلس النيابي إلى تعطيل بانتخابات الرئاسة وتحَكُّم بها. وإيران تفتح حواراً متقدماً مع الغرب.
هل تعِبَ جنبلاط من الانتظار على ضفة النهر؟ أم يئِسَ من عبور جثة الخصم؟ أم خاف من أن تَعبُر أمامه جثث الأصدقاء قبل الأعداء؟ أم خاف من تقلبات جوية تؤدي إلى فيضان النهر؟
في ذهن جنبلاط، بعد التجربة المذهلة للكيماوي السوري، وتبلور التواطؤات الإقليمية والدولية في سوريا، بَاتت الصورة واضحة جداً. وهو أساساً حذّر من المراهنات على الـ"توماهوك" والضربة الأميركية. واليوم، لم تعد هناك حاجة إلى التحليل بعدما اكتملت الوقائع وتكفّلت بتقديم الأجوبة.
في أوساط جنبلاط كلام كثير هذه الأيام: إن لبنان دفع 100 ألف قتيل قبل التوصّل إلى إتفاق الطائف. وقد سبقت هذا الاتفاق محاولات عدة لوَقف الحرب، لكنها لم تصمد. واليوم، دفعت سوريا أكثر من 100 ألف قتيل، ولن يتم التوصّل إلى اتفاق في جنيف أو سواها إلا بعد جولات من المعارك وربما 100 ألف قتيل آخرين. فالحرب هناك طويلة، وربما تستمر 15 عاماً أيضاً.
ويخشى جنبلاط أن يدفع لبنان ثمن الحرب في سوريا، فعندما كانت الحرب الأهلية مُندلعة في لبنان، كانت سوريا مستقرّة. أمّا اليوم، فهناك حرب أهلية في سوريا، لكن لبنان غير مستقرّ. وهذا ما يهدّد بانفجار لبنان أيضاً. ولذلك، يجب على الجميع في لبنان أن ينظروا إلى المسألة واقعياً.
البعض يعتقد أن جنبلاط ينجز اليوم انعطافة جديدة نحو المحور السوري - الإيراني، تُداري الوقائع، وسيعود عنها عندما تنقلب التوازنات في سوريا مجدداً.
وهذا الاعتقاد صحيح. فجنبلاط لم يتوقف عن الدوران في الحلقات منذ العام 2005، لعلّه يهتدي إلى شاطئ ما. لكن هذا الاعتقاد عبثيّ، لأن سوريا ماضية في توازناتها الحالية حتى الصيف المقبل، وإلى ما بعده، أي إلى ما بعد استحقاق الرئاسة في سوريا ونضوج التسويات المفروضة على الجميع.لا جنبلاط ولا أيّ طرف لبناني آخر سيكونان قادرين على مواجهة الزمن لسنوات أخرى.