التهديد بقطع رواتب الموظّفين

01/01/0001

يتفق جميع المعنيين على أن تأخير تأليف الحكومة وعدم وجود قانون للموازنة العامّة (منذ عام 2006) وتراجع المؤشّرات المختلفة بسبب التطورات المحلية والإقليمية وغياب أي برنامج جدّي لإدارة الحكم في هذه المرحلة الحسّاسة والمعقّدة... كلّها عوامل تؤثّر سلباً على مجالات عدّة، منها المالية العامّة. لكن السؤال المطروح الآن: هل بلغت الأمور حدّاً يبرر خروج وزيرة المال في حكومة تصريف الأعمال، ريا الحسن، للتهديد علناً بأن «أمام البلد مهلة شهر، وإلا فإن الدولة لن تتمكن من دفع الرواتب ومعاشات التقاعد والمصاريف المختلفة»؟

بمعنى آخر، هل باتت الخيارات أمام وزارة المال معدومة الى درجة إعلان الإفلاس؟ وهو ما فعلته الوزيرة الحسن (عن قصد أو عن غير قصد) في تصريحها الى المؤسسة اللبنانية للإرسال في نشرتها مساء الخميس الماضي، عشية عيد العمّال، وذلك قبل أن تفيق في صباح اليوم التالي لتخفف من وقع تصريحها السلبي عبر الادعاء بأنها لم تكن تهدف الى إثارة القلق، بقدر ما كانت تهدف الى دق ناقوس الخطر.
في الواقع، ليس في مؤشّرات المالية العامّة ما يستدعي مثل هذا التهديد بقطع رواتب المستخدمين والمتعاقدين والأجراء في القطاع العام، إلا إذا كان التهديد يمثّل فعلاً سياسياً يقوم به فريق الرئيس سعد الحريري، منذ إسقاط حكومته باستقالة 11 وزيراً منها، وتكليف الرئيس نجيب ميقاتي بتأليف الحكومة العتيدة. فالإيرادات العامّة المحققة في الفصل الأول من هذا العام بلغت نحو 2725 مليار ليرة، بالمقارنة مع نحو 3085 مليار ليرة في الفترة نفسها من العام الماضي، أي أنها انخفضت (بحسب وزيرة المال) بقيمة 360 مليار ليرة، لكن هذه المقارنة «مزيّفة»، فالإيرادات المحققة في الفصل الأول من عام 2010 تضمنت نحو 300 مليار ليرة حوّلتها وزارة الاتصالات الى وزارة المال في حينه، قبل أن يبدأ الوزير شربل نحّاس بتكوين مؤونة يفرضها القانون مخصصة لتسديد ديون البلديات المتراكمة على وزارة الاتصالات. وبالتالي، فان زيادة إيرادات الاتصالات المحققة في الفصل الأول من هذا العام كافية لقلب النتيجة، فإيرادات الاتصالات المحققة حتى آذار الماضي بلغت نحو 625 مليار ليرة، أي أن الإيرادات العامّة تبلغ فعلياً نحو 3350 مليار ليرة، بزيادة 265 مليار ليرة عن العام الماضي، علماً بأن خفض رسم البنزين بقيمة 5400 ليرة أصاب الإيرادات في شهر آذار، والمعروف أن فريق الوزيرة الحسن هو الذي أصرّ على خفض الرسم بهذه القيمة للمزايدة على الوزير جبران باسيل، الذي كان قد طلب خفض الرسم بقيمة 3300 ليرة.
هذا في جانب الإيرادات. أمّا في جانب النفقات، فقد ارتفعت من نحو 3950 مليار ليرة في الفصل الأول من العام الماضي الى نحو 4350 مليار ليرة في الفصل الأول من هذا العام، أي بزيادة قيمتها 400 مليار ليرة، وهذه الزيادة اللافتة في النفقات الإجمالية لم تنجم عن زيادة كلفة خدمة الدين العام والاستثمارات، ما يطرح سؤالاً عن مصدر هذه الزيادة في ظل عدم إقرار قانون للموازنة والادعاء بتطبيق القاعدة الاثني عشرية!
ماذا يعني ذلك؟ يعني ببساطة أن العجز الإجمالي ارتفع من 865 مليار ليرة في الفصل الأول من العام الماضي الى 1000 مليار في هذا العام، أي بزيادة 135 مليار ليرة فقط لا غير، وهي ناجمة عن زيادة غير مبررة في النفقات الجارية وتراجع إيرادات رسم البنزين!
وبحسب مصادر مطّلعة، فقد بلغت كلفة خدمة الدين العام في الفصل الأول نحو 1370 مليار ليرة، بالمقارنة مع نحو 1395 مليار ليرة في الفترة نفسها من العام الماضي، أي بتراجع نحو 25 مليار ليرة. وبالتالي، فقد بلغ الفائض الأولي (أي من دون احتساب خدمة الدين العام) نحو 370 مليار ليرة بالمقارنة مع 530 مليار ليرة في العام الماضي، أي أن الحساب الأولي لا يزال يسجّل فائضاً، لكنه تراجع بقيمة 160 مليار ليرة. وهذا يدل على أن النفقات من دون خدمة الدين العام ارتفعت فعلياً بقيمة 425 مليار ليرة، ما يستدعي من لجنة المال والموازنة النيابية مساءلة وزيرة المال عن ذلك بدلاً من الاكتفاء بالحديث عن تجاوزات الإنفاق العام في الأعوام بين 2006 و2009!
هذه الأرقام كافية لدحض أي تهويل يمارسه فريق الوزيرة الحسن في مجال قطع رواتب الموظفين ومعاشات التقاعد، ولا سيما أن كلفة هذا البند من النفقات تبلغ أقل من 300 مليار ليرة شهرياً، وفق ما تصرّح به الوزيرة الحسن نفسها، فكيف إذا كانت هذه الكلفة تُسدّد أصلاً بالليرات اللبنانية؟ فالمعروف أن القوانين النافذة حالياً لا تقيم أي حاجز فعلي أمام وزارة المال لإصدار سندات خزينة بالليرة اللبنانية لتمويل العجز، وذلك بسبب الإجازة المفتوحة للاقتراض التي قاوم فريق الوزيرة الحسن كثيراً لإبقائها من دون سقف. وبالتالي، فإن أي تذرّع بامتناع المصارف عن الاكتتاب بهذه السندات لا يستقيم إلا في إطار الحديث عن سوء إدارة وزيرة المال وحاكمية مصرف لبنان لعملية الاكتتاب، وهو ما يشير إليه مصرفيون كثر، ولا سيما في ظل وجود سيولة مرتفعة بالليرة لدى المصارف لا تزال تحتاج الى التوظيف في أدوات الدين العام تحديداً.
على أي حال، تشير مصادر مطّلعة في مصرف لبنان الى أنه ليس هناك مشكلة فعلية تواجه تمويل الدولة بالليرات اللبنانية، فهذه العملية متواصلة، وغالباً ما يكتتب مصرف لبنان لتغطية أي عجز في إصدارات وزارة المال إذا قلّصت المصارف اكتتاباتها. ومع ذلك، فإن وزارة المال لا تعاني حالياً من أي نقص في التمويل بالليرة، إذ إن هناك نحو 2500 مليار ليرة في حساب 36 لدى المصرف المركزي ونحو 5700 مليار ليرة في حساب إصدارات الخزينة. وبحسب بيانات مصرف لبنان الدورية، فإن ودائع القطاع العام لدى مصرف لبنان بلغت نحو 5.14 مليارات دولار في منتصف نيسان الماضي!
كل هذه المعطيات لا تبرر التهديد بقطع الرواتب والمعاشات، إلا إذا كانت الوزيرة الحسن تتولى حالياً تنفيذ فصل جديد من فصول التخريب الذي بدأ بتخويف المودعين من العقوبات قبل أزمة البنك اللبناني الكندي وخلالها وبعدها، وصولاً الى التهديد بتدمير قطاع الاتصالات عبر الادعاء بعدم وجود المال لتسديد رواتب مستخدمي «أوجيرو» ومستحقات المورّدين.

All rights reserved. Copyrights © 2025 mtv.com.lb
  • أسرارهم أسرارهن
  • أخبار النجوم
  • سياسة
  • ناس
  • إقتصاد
  • فن
  • منوعات
  • رياضة
  • مطبخ
  • تكنولوجيا
  • جمال
  • مجتمع
  • محليات
  • إقليمي ودولي
  • من الصحافة
  • صحة
  • متفرقات
  • ABOUT_MTV
  • PRODUCTION
  • ADVERTISE
  • CAREERS
  • CONTACT