الى الطفلة إيلا
جعفر العطار
6/16/2015 6:23:01 AM
لم يخفت صخبُ صورتك بعد يا إيلا.
ضاقت بلادنا بقصتك: طفلة بُترت أطرافها، إثر إهمال طبيب أطلق سراحه أمس، بكفالة مالية قيمتها مئة مليون ليرة، بعدما رفض القضاء طلب الاستئناف المقدّم من عائلتكِ.
صورتكِ، بوجهك المحبب وابتسامتك الحائرة وسط ضجيجنا، منحت القصة صخبها.
ابتسامتك غرزت جرحاً فينا، نزفت منا حزناً بدا مؤقتاً ثم نما وغدت قصتك تكبر شيئاً فشيئاً، تغذيها صورتك وأنتِ تبتسمين، تلوّحين فرحاً، عبثاً، بيدين مبتورتين.
يتخيلونكِ، بعد أعوام، تسألين عن اليدين والقدمين، بعينين تائهتين، يفكرون بالطفلة كيف ستحاصرها الأيام، تلوّح لها بأطراف مبتورة.
يقولون إن إيلا تستحق أياماً حلوة، مثل أي طفلة.
أبناء بلدكِ، شمالاً وبقاعاً وجنوباً، كانوا يتابعون أخبار الطبيب يوماً تلو يوم، حتى صباح أمس، يسألون عن الطفلة، الحلوة، وما ينتظرها من أيام مرة.
الكل معكِ، لكن قصص من هم مثلكِ، بعيداً منا، عند حدودنا، حجبوها عنا يا إيلا: أطفالٌ بُترت أطرافهم، شوهت وجوههم، وحُرقت أجسادهم.
أنتِ لا تعرفينهم، ونحن لا يمكن أن نعرف عنهم إلا قليلاً، عن قصصهم المدفونة تحت تراب سوريا.
أنتِ نجوتِ. مع ذلك، ضاقت بلادنا بقصتكِ، وغرزت ابتسامتك جرحاً فينا.
نحن بخير يا إيلا: مشغولون بكِ وبمن حرمكِ المشي على قدمين، والتصفيق بيدين، مثل أي طفلة.
في بلاد غير بعيدة من بلادنا، ثمة أطفالٌ ينامون نوماً أبدياً: وجوههم معفّرة بالتراب والبارود. حياتهم بُترت، عيونهم مُنعت من الحلم أبداً.
هناك، لم يعد الأطفال أطفالاً. ثمة من يقول عن أهلهم: مجرمون يستحقون القصف من السماء، مساء وصباحاً، ذنبهم أنهم يريدون أرضهم حرة، حلوة، مثلكِ.
في بلادنا ثمة من يقول إن الطفل وُلد ليكبر ثم يختار: "إما معنا، أو معهم".
نحن بخير يا إيلا، لكن في بلاد غير بعيدة من بلادنا، ثمة أطفال أطرافهم مبتورة، وعيونهم مغمضة، تغرز فينا جرحاً أبدياً.