الثور والحمار و... نحن
الأب ميلاد الجاويش
12/6/2015 6:15:52 AM
شهر كانون يدغدغ القلب. ما أعزّ هذا الشهر على قلوبنا نحن معشر المسيحيّين! هو الشهر الذي فيه تصطكّ أجسادنا بفعل البرد القارس، لكنّه أيضًا الشهر الذي فيه تستدفئ نفوسنا بمولد الربّ المخلّص. ليس صدفةً أن يحوي اسم "كانون" بين طيّاته هذَين البُعدَين: البَرْد والكينونة.
فكانون، لغةً، هو الموقد الذي نشعله لنستدفئ ونتّقي البرد. أمّا جذره فَـمُشتَقٌّ من "كان"، فعل الوجود بامتياز. "في البدء كان الكلمة... والكلمة أضحى جسدًا"، يقول القدّيس يوحنّا في مقدّمة إنجيله. في كانون، كان البرد وكان يسوع. في أكثر أشهر السنة بردًا أتانا يسوع ليُدفئ منّا القلب والروح. "تعالوا استدفئوا"، أخاله ينادينا من مذود مغارته. العالم بارد، الأنظمة باردة، المجتمع بارد، القلوب باردة، عائلاتنا باردة... ليتها تشتعل من نور هذا الشهر وناره!
قيل لنا ونحن صغار إنّ ثورًا وحمارًا أحاطا بيسوع الطفل كي يدفئاه بأنفاسهما ويخفّفا عنه برد المغارة. مع أنّ هذا التفسير صبيانيّ لا أساس له لا في الكتاب المقدّس ولا في اللاّهوت اللاّحق، غير أنّه، مع بساطته، فيه لسمة من الحبّ والحنان. بهيمتان عجماوان قدّمتا للربّ المولود ما لم يستطع البشَرُ في بيت لحم أن يقدّموه: الدفء. وكأنّ جسد يسوع يحتاج إلى الدفء، ولا تدفئه إلاّ الأنفاس الطاهرة. "كيف أدفئك، ربّي، في برد هذا العالم؟". فليَقُضَّ هذا التساؤل مضجعنا في شهر البرد هذا. "عرفَ الثورُ مالكَه والحمارُ معلفَ صاحبه، أمّا إسرائيل فلم يعرف. شعبي لا يفهم"، هكذا تنبّأ أشعيا النبيّ (أش 1: 3). وهكذا صار في مغارة بيت لحم، ذلك اليوم.
حقيقة مرّة: أن تتصالح الخليقة كلّها مع ربّها، ما عدا ذلك الإنسان المصنوع أصلاً على صورة الله ومثاله. نظرةٌ إلى واقع اليوم تؤكّد هذه المأساة: من يُخرّب كلّ شيء من حولنا؟ من يدمّر ويَسبي؟ من يلعن ويتجبّر؟ هذا الثور وذاك الحمار يا تُرى؟ أم هذا العصفور وذلك الكلب؟ هذه الحيّة، مع كلّ رِجسها، أو ذاك الخنزير؟ إنّه الإنسان، الذي من أجله هجر الابنُ الحضن الأبويّ وأتى الأرض إنسانًا. "شعبي لا يفهم"، لا يستدفئ ولا يُدفئ غيره... في هذا الشهر البارد!