حين "تذبحهم" بشعرها الطويل!
جيزيل نعيم
5/21/2016 6:24:03 AM
"الشعر زينة البنت"، "أُنوثتك بشعراتك"، "الشعر القصير للصّبيان"، "مش مين ما كان قادر يطّوّل شعراتو.. هيدي نعمة"...
عبارات كثيرة ترافقنا منذ القدم، وقد شابت أجيال على وقعها، فلشعر المرأة أهميّة قصوى بالنسبة إليها، فتتغنى بجماله وسحره، وتعتبره ركيزة جمالها، وتعتني به خير اعتناء. تسرّحه، تسدله على كتفيها حيناَ، تجدله حيناً آخر، "تتبختر" على وقع تموّجاته على ظهرها، تتابهى بلونه، ونعومته...
تعود هذه العقلية الى عصر الجاهليّة، حين أحبّ العرب في المرأة شعرها ضمن الصفات التي تميّزها، وقد برز ولَههم بشَعرِها من خلال غزل الشُّعراء في ذلك العصر، فتغنّوا بها ووصفوها بأجمل الاوصاف... وأحبّ الناس في ذلك الزمن الشعر الأسود الحالك كالليل، على أن يكون طويلاً، فطول شعر الأنثى وشدّة اسوداده من عناصر الجمال في المرأة الجاهليّة.
وقال امرؤ القيس في معلّقته الشهيرة واصفاً شعر الحبيبة:
غدائِرُه مُسْتَشْزِراتٌ إِلى العُلا تَضِلّ العِقاصُ في مُثَنَّى وَمُرْسَلِ
والشاعر هنا يتحدث عن خِصل الشعر المرفوع إلى أعلى في جدائل مربوطة بخيوط، مما يدل على وجود تصفيف حقيقي للشعر منذ ذلك الزمان...
ولتكتمل الصورة، لا بد من الوقوف على نظرة الرجل إلى شعر المرأة. لذا استطلعنا بعض الآراء في هذا الشأن:
شربل، في أواخر العشرينات من العمر، يعمل في مجال الفنّ ويحتكّ بالمشاهير يومياً، يشدد على عبارة واحدة قالها مرات عدّة: "الشعر الطويل "يذبحني، يفتنني، فهو مثير للغاية ولا يمكن مقاومته، خصوصا المسدول كالحرير الذي يتوق الرجل الى ملامسته". ولفت إلى أن طول الشعر يعكس مدى اهتمام صاحبته بنظافتها، كما أنها تملك الصّبر الكافي لإبقاء شعرها الطويل في حال جيدة. والمرأة الصّبورة يراها زوجة محتملة له... ويؤكد أرجحية الشعر الطويل على القصات القصيرة بأن كثيرات يلجأن الى الجدائل المستعارة ليتمتّعن بمظهر الشهر الطويل، علماً ان هذا الامر لا يستهويه بتاتاً.
أديب، رجل في أوائل اربعيناته، ينظر أوّل ما ينظر الى شعر المرأة، فإذا رآه متّسخاً أو غير مصفف بشكل جيّد، كوّن فكرة سيئة عن صاحبته. وهو يعتبر الانطباع الاول بالغ الاهميّة ويستقي انطباعه هذا عن المرأة من شعرها، علما انه يفضله طويلاً يضفي انوثة وسحراً على السيّدة.
أما شعر الفتيات بنظر أنفسهن فتعكس أهمّيته الكلمات الآتية:
رينيه، صحافية، في أوائل العشرينات، تعتبر ان شعرها أثمن ما لديها، فالكثير مِمَّن حولها من أصدقاء وأقرباء، "يتغزلون بنوعيته"، والرجال منهم يؤكدون ان شعرها الأجعد يجذبهم كثيراً.
وتؤكد رينيه ان "الشعر الطويل يضفي جمالاً وأنوثة على مظهر الفتاة، فهو يزيّنها، ويميّزها عن سائر الفتيات".
رولا، في بداية عقدها الثالث، تؤكد ان شعرها هو نقطة ضعفها، فتصرف عليه الكثير من الوقت والمال، ليبقى في أبهى حلّة. بل انها تقدّمه في الاهميّة على ملابسها وماكياجها، "فما نفع الاناقة واشراقة الوجه اذا كان "التاج" من "تنك"؟"، كما تقول.
وفي تفسير لرمزيّة الشعر الأنثوي تقول الاختصاصية في علم النفس ميساء كوسا إنّ الشعر ارتبط بالمرأة وجمالها وأُنوثتها على مرّ التاريخ. وبما أن الطبيعي في الزمن القديم كان ترك الشعر على طبيعته إلى حدّ كبير، بات الشعر الطويل رمزاً للمرأة الحقيقيّة والجذّابة، فتعتبره سلاحها الوحيد، ونقطة قوّتها، منذ القدم حتى اليوم ما يزيد ثقتها بنفسها كلّما كان طويلاً أي جميلاً (...).
ولعلّ القاسم المشترك بين شاعر "الامس" وشاعر "اليوم"، يحيلنا على مكانة الشعر الطويل في نفس الرجل على مرّ العصور، بالإشارة إلى عنوان ديوان للشاعر الراحل أنسي الحاج، ونعني "الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع". وهو عبارة عن قصيدة واحدة طويلة، تحكي عن المرأة الأم والحبيبة والعشيقة والرسولة التي تدلّ العطشى بواسطة شعرةأأأها الطويل إلى ينابيع الارتواء من الحب والشغف والحنان، وربّما... "الخلاص".