يستغرب زائرو الوزير ميشال فرعون وفريقه السياسي غياب الاحباط عنه بعد الاستحقاق الانتخابي الذي كلفه مقعده النيابي، بعيدا عن التوقعات والاحصاءات التي كانت تضمن نجاحه في دائرة بيروت الأولى، فالحركة ناشطة في التقييم قبل الاستمرارية.

اسباب وظروف

عن الاسباب والظروف التي ادت الى مفاجأة الانتخابات، تبين انعكاس تدني المشاركة من جهة والثغرة التي حصلت في ماكينته الانتخابية على اثر قرار مسؤول التعبئة الشعبية والخدماتية في مكتبه السياسي سيبوه مخجيان الترشح في لائحة للمجتمع المدني، قبل اقل من شهرين من الانتخابات، مما اثر على تنظيم هامش من الاصوات الضامنة لنجاح فرعون التي ذهب جزء منها لمخجيان والجزء الاخر لم يتم التواصل معهم.

مخجيان، الذي  كان موعودا بالترشيح مع فرعون على شرط الالتزام باللائحة والتمنع عن حصد الاصوات التفضيلية حتى اخر اسبوع من المعركة نظرا لطبيعة القانون والذي تعرض لضغوط من حلفاء اللائحة، طلب الاستقالة من منصبه ليبقى مرشحا حرا خلافا لالتزام الاحزاب. الا أن هناك تكتماً حتى الان حول شائعات عن ضغط ومغانم وتنسيق بين مخجيان ومنافس فرعون النائب المنتخب نقولا الصحناوي، مما قد يؤكد الخيانة ووجود مؤامرة ابعد من النيابة لتطويق فرعون ودوره السياسي القوي منذ سنوات على اكثر من صعيد، في النيابة و الحكومة، نجاحه في السياحة كان استثنائي، في بيروت والاوساط المسيحية وعلى طاولة الحوار الوطني.

كما ان ماكنة السلطة والحلفاء في قوى 8 اذار صبّوا اصواتهم وعملوا لمصلحة الصحناوي ولتحجيم قدرات فرعون في المعركة التي تساوي الاحزاب في الدائرة، بعد ان اعتذر من عروض الرئاستين، الأولى والثانية، بسحب المرشح الصحناوي لمصلحته في لائحة ائتلافية لم تر النور، إذ جاء الاقتراح بشكل غير متوازن ولم يشمل النائب نديم الجميل، بالاضافة الى اجواء سياسية غير ملائمة، مما سرع قرار تأليف لائحة حلفاء 14 اذار المسيحية بالتنسيق بين فرعون والقوات اللبنانية.

فرعون، الذي لم يحمّل احداً مسؤولية النتيجة، يتجنب الدخول في ما يسميه مسؤول في حملته الانتخابية "مضايقات وتغطية لمظاهر استقواء وتضليل"، كما يتحدث البعض عن منافسات ضمن اللائحة، جزء منها من طبيعة القانون والجزء الاخر تضمّن رشاوى بمبالغ كبيرة مركزة من "حليف منافس" على اللائحة على ناخبيه. وقد اعتبر فرعون ان الاحصاءات "مرتاحة" ورفض مواجهة "حزب الدولار" عبر الانجرار "لشراء مقعد" كونه لم يتباخل في اهانة "نفوسه وفلوسه" في ممارسته المسؤولية والخدمة. و ذهبت، من دون مقاومة، اصوات تفضيلية لمرشح على اللائحة تبين بخطأ في الاستطلاعات انه اكثر خطورة...

كما اعترف بعض المقتربين منه بخشيته من الطعن في حال كثف المساعدات خلال الشهرين الأخيرين كونه مراقب من بعض اجهزة السلطة.

فرعون والاشرفية

كيف بدت الاشرفية عشية الانتخابات وبعدها ولماذا يعتبر مراقبون ان المستهدف هو رمزيته وشرعيته البيروتية منذ سنوات "كناطق رسمي" باسم الدائرة، مع حلفائه القوات اللبنانية وبرضى حزب التيار الوطني الحر منذ سنتين، بعد ان تجاوب ونجح في المهمة التي تكلف بها من الاحزاب باخراج ائتلاف في الانتخابات البلدية والاختيارية. جاء الاتفاق على حساب تحميله مسؤولية انسحاب بعض المرشحين القريبين منه الذين تمّت التضحية بهم لصالح الاحزاب، التي لم تبادر الى تعويض الخسارة عند الاستحقاق النيابي، ووقعت الصدمة.

اثر الانتخابات البلدية والاختيارية، جاءه من العماد ميشال عون اتصال معترفا بطاقاته في تطبيق اتفاق معراب ومباركا له مقعد النيابة... قبل بدء الانقلاب على تسوية معراب.

كما لم يبادر احد الى الاعتراف العلني باحتضانه لمختلف ملفات المنطقة، ومنها انجاز الملعبين الوحيدين في منطقتي الفيات وكرم الزيتون التي تؤمن متنفساً لشباب المنطقة، ويعود الفضل له فيها، وله فقط، بالاضافة الى انشاء مستشفى في منطقة الكرنتينا...

استقلالية وتحالفات وصداقات ثابتة

يعتبر فرعون ان الاساس يبقى في الالتزام بثوابت السيادة التي تقود خياراته على حساب المصالح ويربطها بالنضال السيادي والاستقلالي لمن سبقوه في العائلة منذ اكثر من مئة سنة. اما المرحلة المقبلة فهي دقيقة للغاية وتحتاج الى فريق "نزاهة وكفاءة وخبرة".

كما ان التنسيق مع الحليف في القوات اللبنانية ليس جديداً ولا يطيح باستقلاليته ولا بشخصيته المعتدلة المنفتحة القريبة من المجتمع المدني والصانعة للتسويات عبر الحوار عند الحاجة، إذ أن التعاون لم يتوقف منذ تحالف 14 اذار وتثبت مع بداية اتفاق معراب وفي محطات التحالف عند تأليف حكومة تجديد الثقة مثلاً، على الرغم من تفاقم الضغوطات عليه كلما تقرب من جعجع وحمل راية 14 اذار في قلب الحكومة.

وسيتجاوب فرعون مع الدعوة المفتوحة لرئيس حزب القوات اللبنانيّة سمير جعجع للمشاركة في اجتماعات تكتله النيابي كلما دعت الحاجة، كما كانت الحال خلال فترة مشاركته في الحكومة الحاليّة، حيث كان التنسيق السياسي قائماً في الملفات السياسية الوطنية والتي تعني الحكومة والدائرة.

اما صداقته مع الرئيس سعد الحريري فتبقى متينة مبنية على عمق العلاقة مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري والثقة والتواصل منذ سنوات بالرغم من اسفه لعدم وجود مرشح حزب الهانشاك المدعوم منه سيبوه قلباكيان، الذي رسب في الانتخابات، على لائحته بدلا من ان يكون على اللائحة المدعومة من التيار الوطني الحر.

ويؤكد ان دعم العهد ليس احتكاراً لاحد، وهو بعلاقة ايجابية مع الرئيس ، فالجميع له مصلحة بالتعاون من اجل نجاح العهد والعودة الى التنسيق المسيحي والوطني في هذه المرحلة الحرجة التي تحتاج العودة الى روحية اتفاق معراب، والابتعاد عن محاولات استئثار السلطة او فرض معادلات جديدة على اثر الانتخابات. ويشدد على مبادىء التوازن والنأي بالنفس والمضي قدما في الاتفاق على الاسراتيجية الدفاعية ومكافحة الفساد لانها اصبحت تؤثر على مختلف المفاصل الحياتية للمواطن الذي يعاني ازمات حقيقية حياتية واقتصادية واجتماعية نتيجة فقدان الاستثمارات والثقة منذ سنوات بمرجعية الدولة.

خاض فرعون معركة انتخابية سياسية بامتياز طارحا ملفات الفساد والصفقات وثوابت وطنية على صعيد الدائرة والمواطن. لم يبخل في تجيير رصيده والتسليف في المفاصل لمصلحة حلفائه وصداقاته ومنطقته وتلبية حاجات الناس وما يؤمن به من مبادىء سيادية.

ويتساءل البعض عن التقدير وحماية الحلفاء له على مستوى ثباته في الخيار مع استعداد للتضحية ورفض التنازلات سوى للمصلحة العامة.

و من اللافت مقاربته غير التقليدية للعمل السياسي في حساب المصلحة الخاصة او الربح والخسارة وسعيه للانجاز والخدمة عبر الخبرة والمصداقية في الحياة العامة والخاصة، وهو اقرب من نماذج الماضي التي تراجعت في هذه المرحلة.

فكيف سيترجم العمل من قبل حلفائه واصدقائه لتصحيح الخلل ومنع هدر الطاقة النادرة في الحياة العامة؟