7 ايار عون على بدء
طارق حسون
01/01/0001
في 26 نيسان 2005 اندحر الإحتلال، فحلم اللبنانيون الذين تقاطروا الى ساحة 14 آذار، بـ "عودة الوطن الى الوطن". بعد ايامٍ قليلة تبخّر حلمهم!
طائرةٌ حطّت على مدرّجات مطار بيروت في 7 ايار 2005، كانت كافية بمفردها لـ "عودة الوطن الى المجهولّ"!.
تعددّت تواريخ الـ "7 ايار" في روزنامة قوى 8 آذار من بيروت الى دمشق، والنتيجة واحدة: فشل، موت، دمار، تزوير...
"عودة الوطن الى الوطن"، هو الشعار الترويجي للإحتفال الذي أقامه العونيون، بمناسبة عودة سيّدهم من "منفى" الشانزيليزيه!.
ليس كل ما يصدر عن العونيين كلامٌ فارغ، ففي شعارهم هذا، بعض المضمون: "الوطن هو عون، وعون هو الوطن". التيار العوني هو رمزٌ "للحداثة"، لم يسبقه أحد الى هذه المقولة، سوى لويس الرابع عشر!
عندما اطلق لويس الرابع عشر مقولته الشهيرة: "انا الدولة، والدولة أنا"، كان أميناً للمفاهيم السائدة في عصره. تيّار "الحداثة" العوني هو أمينٌ بدوره للمفاهيم القروسطية، ولكن في زمنٍ آخر، هو زمن الديمقراطية، وحريّة الشعوب، ومأسسة الأحزاب.
لا شك ان "الزعامة الفرنسية" نموذجٌ يُحتذى به عونياً، ميشال عون ادعّى أنه متأثّر بشخصية شارل ديغول، فيما أتباعه رأوا فيه الجنرال بونابرت في فترة صعوده... ولكن هل من تذّكر لويس الثامن عشر؟
ميشال عون "تأثّر" بالزعامات الفرنسية العريقة، ولكنه لم يتشبّه بمواقفها التاريخية، جّل ما استطاع تحصيله، كان جائزة ترضيةٍ فرنسية رمزية: بعضاً من لويس الرابع عشر، بعضاً من نابوليون، وبعضاً من لويس الثامن عشر، امّا ديغول، فجائزةٌ كبرى، فوّتها عليه الجنرال!
قالها ميشال عون في حرب إلغائه الأولى ضد القوات:"مدام، انا رئيس وستّة الوزراء"
« Madame, je suis Président et six Ministres ». فاستحوذ على جزءٍ من "نمرودية" "الملك الشمس" لويس الرابع عشر!!
قبل 7 ايار 2005 خاض ميشال عون حروباً عبثية تدميرية اسقطت "الهيكل"، فاستحصل على جزءٍ آخر من "عُصابية" نابوليون، وجنون عظمته. بعد 7 ايار 2005، نُصّب ميشال عون من قبل الإحتلال رئيساً لكُتلةٍ سياسية "مشكوكٌ بنسبها"، فاكتسب "جزئياتٍ" إضافيةٍ من خنوع وتبعية لويس الثامن عشر.
26 نيسان، تاريخ زوال الإحتلال عن ارضنا، لا يعني للعونيين شيئاً. "القائد" الذي "هزّ المسمار" يُقاطع ذكرى "اقتلاع المسمار"، لا بل يلهث لإعادة تثبيت "المسمار" من جديد!!
في ذاكرة العونيين، الوطن لم يعد الى الوطن، لا يوم هبّ اللبنانيون الى ساحة الحرية في 14 آذار، ولا يوم خرج الإحتلال في 26 نيسان..."الوطن لم يعد الى الوطن"، إلاّ يوم أعاده إميل إميل، والسيّد جميل، والعضوّم، وسماحه والقنديل، بصفقةٍ مشبوهة، شهد العالم، والقضاء الدولي، وشهداء ثورة الأرز على بشاعتها!
لا يُلام العونيون على "إحتفالهم بالـ One man show"، فلا شهداء عندهم ليُحيوا ذكراهم، ولا حزباً مؤسساتياً لديهم ليحتفلوا بتاريخ حلّه...أو تأسيسه، ولا مناسبات وطنية تعني لهم شيئاً. فعيد الإستقلال، كيف يُعيّدونه؟ وقد تحوّلوا الى خراف "العيد" لدى الإحتلال. وعيد شهداء الصحافة، كيف يحتفلون به؟ وشهداء الإعلام والصحافة، الأحياء منهم والأموات: من سليم اللوزي، ورياض طه، مروراً بمصطفى جحا، ومروان حماده، وسمير قصير، ومي شدياق، وجبران تويني وصولاً الى علي شعبان...يتسّترون عن قاتلهم المعروف، كي لا نقول اكثر!
وذكرى جلاء جيش النظام السوري، كيف يحتفلون بها؟ وهم يعملون ليل نهار على إعادته فوق "حصانٍ ابيض"!!
وذكرى تأسيس "الحزب"، كيف يُحيونها؟ وتيّارهم اقرب ما يكون الى مزرعةٍ عائلية، منه الى حزبٍ سياسي.
ظاهرة شربل نحّاس قضّت مضاجع الجنرال، صور الوزير المُقال ملأت صفحات التواصل الإجتماعي للعونيين. كان لا بُدّ للجنرال من اختراع مناسبةٍ خاصةٍ من العدم "تقتلع" صور نحّاس، لتُعيد تذكير العونيين بزعامة الجنرال الآحادية المُفرطة للتيار!
7 ايار: "عودة عون الى الصدارة"، وعودة شربل نحّاس الى غياهب التيار!
ميشال عون لا ينوي بناء حزبٍ مُنظّم، هو لا يتقبّل مجرّد سؤالٍ صحافي، فكيف له ان يتحمّل الإنتقادات، والمسائلة الحزبية، حتى ولو نظرياً!!.
ميشال عون لا يستطيع بناء حزبٍ مُنظّم، تركيزه ينصبّ على القشور، لا على الإساسات. دعاية هدّامة، شائعات، فبركة صور وأفلام، شتائم وتشهير، امّا اُسس تيّاره وركائزه، فتتآكلها رمال الحقيقة.
ميشال عون لا ينوي، ولا يستطيع بناء "حزب"، لكنه يريد إيهامنا انه بصدد بناء وطن!
من اهّم مبادىء "المُعتزلة"، قولهم بـ "المنزلة بين المنزلتين": "حكم الفاسق في الدنيا ليس بمؤمن ولا بكافر. فإن تاب أصبح مؤمن، وإن لم يتب حتى موته يكون كافراً".
"وطن" العونيين، يقع في منزلةٍ بين منزلتين: منزلة الصورة المُصغّرة عن "وطن" حليفهم في الشام، ومنزلة الصورة المُكبّرة عن واقع تيّارهم العوني المُهترىء في لبنان!!.
"حرب التحرير"، هي بدورها، حربٌ بين حروبٍ عونية لا تنتهي. ما تلاها، مروراً بصفقة 7 ايار 2005، وحتى اليوم، يُثبت ان الفاسق صار كافراً ايضاً.
قبل إبرام صفقة "العودة ليكس" دارت نقاشات بين أركان النظام السوري حول حظوظ نجاح هذه الصفقة. في أدراج حافظ الأسد ما يؤكّد نجاح الصفقة سلفاً. يدخل بشّار الأسد الى اجتماع أركانه، حاملاً في يده رسالةٌ يميل لونها الى "الإصفرار" بفعل تقادم الزمن عليها. يسود القاعة صمت رهيب، يحسم بشاّر الأسد النقاش بتلاوته بعضاً من مضمون الرسالة: "...وتفضّلوا بقبولي ضابطاً صغيراً في جيش القائد العظيم حافظ الأسد...التوقيع: رئيس الحكومة العسكرية العماد ميشال عون".
يؤنّب بشّار الأسد بعض المُشككّين بجدوى الصفقة، ثم يفضّ الإجتماع متوجّهاً اليهم بكلمة "على الماشي":
"رُبّ عودةٍ خير من الف احتلال".
يهتف الحاضرون: عاش القائد الخالد!!
7 ايار 2012: "عودة حليمة الى رسائلها القديمة"، وعودة الوطن الى المجهول...حتى إشعارٍ آخر!!