عكاظ
لم يكن الرئيس السوري السابق حافظ الأسد يتصور يوما أنه سيوكل الرئاسة وحزب "البعث" وقيادته إلى ابنه "بشار"، إذ بعث به إلى إسبانيا لدراسة طب العيون. إلا أن الحادث الملتبس على طريق مطار دمشق الدولي الذي قتل فيه نجله البكر "باسل" اضطره أن ينظر إلى بشار كخليفة له. وعلى قاعدة "مصائب قوم عند قوم فوائد" توفي الأسد الأب ليرث بشار حكم سوريا ومن عليها بإخراج بعثي متقن من الحرس القديم رفاق والده الذين عدلوا الدستور ومنحوه الرتب العسكرية في أقل من ساعة واحدة ليكون خليفة لسلف ليس بالسهل أن تجد له من يخلفه. العميد الركن المنشق عن الجيش السوري محمد أنور سعد الدين التقى الأسد الابن في تلك الفترة، فكان شاهدا على حكاية وصول بشار إلى الرئاسة.
ويقول سعد الدين، "معرفتي ببشار تعود الى عام 1995، حيث علمنا في القيادة العسكرية أن الرائد الطبيب بشار حافظ الأسد موجود في دورة الأركان التي نخضع لها، وكان أبرز مرافقيه المقدم محمد سليمان، الذي قتل لاحقا لأسباب مجهولة في مجمع الرمال الذهبية في طرطوس. وفي أول لقاء، اقتربت منه وعرفته بنفسي، كان متواضعا، رحب بي واطمأن مني الى أمور عدة وعلى منطقة الرستن "مسقط رأسي في حمص"، كوني كنت الوحيد في هذه الدورة من الرستن. كان شقيقه باسل في الرستن آنذاك، فأخذتنا الأحاديث في هذا الصدد، وكانت أغلب أحاديثنا تدور في فترات الاستراحة، لكن ليس بشكل يومي، علما بأنه كان يتواجد بشكل دائم في الساحة العامة للأكاديمية. وكونه كان طبيبا لوحظ أنه يعتمد على مرافقه محمد سليمان في كل الاستشارات العسكرية والقانونية، حتى طلبات الضباط التي كانت تصله كان سليمان يتابعها ويصدر القرارات بشأنها".
وقال "ان طلبات الضباط كانت كثيرة ومتنوعة، ذات مرة تقدم منه أحد الضباط وأخبره أنه لا يملك جهاز تلفزيون في منزله، لأن الرواتب كانت متدنية، ففوجئ بشار بذلك، علما بأن هذا كان الجو السائد في سوريا، إذ يمنع الاستيراد، في اليوم التالي استحصل لنا من والده حافظ الأسد على أمر يقضي بموجبه أن يمتلك كل الضباط أجهزة تلفزيون "بالتقسيط طبعا". وحدث أيضا أن تقدم منه ضابط يخبره عن فساد ورشاوى داخل الجيش فكانت ردة فعله مفاجئة، ما يشير إلى أنه لم يكن على دراية واطلاع بالأمور العسكرية أو يمكن القول إن أحدا لم يطلعه على هكذا ملفات، فما كان منه إلا أن طلب من مرافقه المقدم محمد سليمان التحقيق في الشكوى، وسليمان كان معروفا عنه مزاجيته وأنانيته وحرصه على مصالحه الخاصة، فاستغل بذكائه ضعف بشار الأسد وبدأ يسير الأمور كما يشاء.
واضاف سعد الدين "ما عكر على سليمان صفوه، هو قربي من الرائد بشار الأسد في تلك الفترة، فقد تجاوزته وهو الموجود في نفس المجموعة التي كنت أدرس فيها، واللقاءات كانت تجمعني بسليمان أكثر مما جمعتني ببشار، فحذرني بعدم الاقتراب من مدير إدارتنا، فإدارة المركبات لها ميزانية بالمليارات لما تستورده من دبابات وسيارات وقطع تبديل وأجهزة مخارط ومفارز وأجهزة ميكانيكية، فحذرني قائلا بالحرف الواحد: "إذا اقتربت من فلان وفلان، سأنهيك"، وكان تهديده سلسا غير فظ، فشبكة هذه العلاقات التي كان يحيط سليمان نفسه بها كانت من أجل اقتسام الإرث المالي الموجود في الميزانية السنوية. وتمكن سليمان من تحييدي عن اللقاء ببشار الأسد خلال الدورة ونجح في ذلك، خاصة أن بشار لم يكن يملك شخصية مستقلة".
ويلفت كذلك الى صفة النسيان الملتصقة بشخص بشار إذ إن "أي موضوع كنا نتقدم به اليه كان يؤكد لنا أنه خلال أسبوعين سيحل الأمر، وعندما نأتيه بعد أسبوعين يطلب منا أن نذكره بما كنا قد طلبنا منه في الأساس. وهذه كانت تشكل لنا مصيبة أن بشار دائم النسيان. لذلك كان بشار يعتمد على محمد سليمان الذي خضع لدورة في الاتحاد السوفيتي وكان حاذقا وتمكن من كسب ثقة بشار وهمش كل المحيطين به، وكل من حاول الوصول الى بشار عن غير طريق محمد سليمان لم يصل".
وقد أدرك سعد الدين يقينا أن بشار غير قادر على القيام بأي عمل استراتيجي، وأن محمد سليمان كان يسيطر على أغلب المخططات الاستراتيجية الخاصة بالجيش ويسير كل الأمور من خلف بشار، ولم يتمكن مكتب أي وزير أو أي مكتب مخابرات رغم سلطة المخابرات القوية إلا على تنفيذ كلام سليمان، ولذي يمكن وصفه بـ"الرجل الخفي"، الذي يريد ثمنا لكل شيء، فتحول الجيش الى عصابات تتناحر فيما بينها.
وقال "معرفتي ببشار الأسد خلال دورة الأركان جعلتني متأكدا أنه شخص غير قادر على اتخاذ القرار، ضعيف الشخصية، ضعيف الذاكرة، وتوصلت الى قناعة قد تفاجئ الكثيرين، وهي أن بشار لا يجيد الخطاب ولا كتابته، بل إن هناك من يعد له الخطابات التي يلقيها، على عكس ما تم الإيحاء به بعد اختياره رئيسا خلفا لوالده. ضعف شخصية بشار الأسد أدى الى سيطرة العميد محمد سليمان عليه ومصادرة كافة قراراته، وهنا يمكننا تفسير عملية اغتيال سليمان لاحقا، حيث ظلت عملية الاغتيال مبهمة التفاصيل رافقها حرص من أجهزة النظام على التعتيم والتكتم على كافة التفاصيل المحيطة بها".