القدّيسة مارينا... كما يعرفها الدروز!
18 Jul 201813:44 PM
القدّيسة مارينا... كما يعرفها الدروز!
نادر حجاز

نادر حجاز

"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".
بهذه الكلمات يعبر القرآن الكريم كل حدود الاختلاف بين البشر ليكرّس الانسان كقيمة أسمى، فما يجمع البشرية أكبر بكثير من اسباب الاختلاف، فسبب الوجود واحد وعلّة الكون واحدة.
نذكر هذه الآية الكريمة بينما كان لبنان على موعد مع استقبال جثمان القديسة مارينا التي كان لها استقبال رسمي وشعبي كبيرين بدءا من مطار بيروت وصولا الى الديمان، حيث عادت قصة هذه القديسة الى التداول من جديد بعد حوالى 1300 عام على وفاتها سنة 750 ميلادي، لا سيما بعدما كانت قصة هذه القديسة مصدر وحي الفيلم السينمائي "مورين" والذي لا يزال يعرض في صالات السينما اللبنانية.
الا ان امرا لافتا جدا في قصة هذه القديسة لاحظه ابناء طائفة الموحدين الدروز، الذين سبق وسمعوا بها، ولكن باسم مختلف حيث كرّموا عابداً اضطهد وتحمّل الظلم وما كشف حقيقة هويته الا بعد وفاته واكتشاف رفاقه العبّاد انه امرأة وليس رجلا، والدروز يكرّمون هذه المرأة الفاضلة منذ مئات السنين وأقاموا لها مزارا خاصا يعرف باسم مزار "الست شعوانة" في منطقة عميق في البقاع الغربي، ويزورونها من مختلف المناطق حتى ان مزارها تحوّل الى مقصد لكل من يعرف بقصتها ومن مختلف الطوائف.
ويروي الدروز قصة هذا العابد تماما، كما يروي المسيحيون قصة "مارين"، التي توفّيت والدتها وهي صغيرة، وبعد أن أصبحت صبيّة، قرّر والدها أن يزهد في الدنيا ويتعبّد. ألحَّت أن تسير معه فاصطحبها بعد أن ألبَسها زَيّ الرجال الى المعبد.
وقد عُرف هذا العابد بتقواه وطاعته وزهده، وأرسله رئيس المعبد يوما من الأيّام في مهمّة الى إحدى القرى المجاورة فاضطرّ أن يَبيت في خانها، ثمّ عاد بعد إتمام مهمّته، وبعد فترة من الزمن، دخل صاحب الخان الى المعبد يصيحُ غضباً مُتّهماً هذا العابد بأنّه في الليلة التي باتَ فيها عندهم اغتصب ابنته وحملت منه، فما كان مصيره الا الطرد.
فما كان منه الا ان أطاع القرار، وبعدما ولدت الإبنة صبيّاً فجاء به والدها اليه ليقوم بتربيته، فأخذ الطفل وشرع يُربّيه في مغارة، وبعد فترة شفق العباد عليه واعادوه الى المعبد ولكن فرضوا عليه القيام بالأعمال الشاقّة تعويضاً عن خطيئته.
وتروي القصة المتناقلة ان هذا العابد أوصى بعد مرضه بأن لا يتم الكشف عن جسده اذا توفي قبل شق جزء صغير من ثوبه، وهذا ما حصل بعد وفاته، فكانت المفاجأة بأن هذا العابد هو امرأة، وعرف الجميع ان كل ما اتهموه به كان زورا وكذبا ورغم ذلك تحمّل وصبر وضحى، وجثوا مستغفرينها عمّا أساؤوا إليها.
ربما تكون صدفة وربما تكون القصة قد تكررت وربما لا، الا ان هذا التوارد هو اكثر من لافت ويثبت مجددا ان القاسم المشترك بين البشرية هو الانسانية الأسمى من كل شيء، وهناك الكثير من الامثلة على قصص مشابهة وخير دليل على ذلك الصورة المعلّقة في كل المنازل لهذا الفارس الذي يشك رمحه في فم التنين، لتختلف فقط تسميته، فالمسيحيون يسمونه مار جرجس والدروز والسنة والشيعة يسمونه الخضر، واما القصة والعبرة فواحدة.
موقع mtv سأل رئيس جمعية "معا من أجل الانسان" والمحاضر في جامعة القديس يوسف الشيخ دانيال عبد الخالق حول تعليقه على هذا التشابه بين القصتين فقال: "ليس من الصدفة أن يتخذ الموحدون الدروز هذا الإسم عنوانا لمسلكهم ومذهبهم، فالمسلمون الموحدون ترجموا إيمانهم بوجود وجوهٍ من أوجهِ الحقيقة في معظم المذاهب والأديان التي تلوّنت واختلفت طقوسها بين مذهب وآخر ومنطقة وأخرى انسجاما مع القرآن الكريم مصدر مذهبهم الأساسي "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" (مع معرفتنا بأن بعض المذاهب تعتبرها آية منسوخة، لكنها من وجهة نظرنا تبقى آية مقدسة، وقد استَلْهم منها شيخنا الفاضل محمد أبو الهلال جملته القيَمِيَّة:  يستدل على صحة دين المرء من صحة عمله ومعاملته)، ترجموه بعدة اساليب منها تعظيم شخصيات أو أنبياء سبقت بداية المسلك التوحيدي وهي أساسية في الأديان الأخرى خصوصا التوحيدية منها، وكان لها دور أساس في تحويل مسار البشرية من الشرك الى التوحيد، والتزم التسميات العربية والإسلامية لهذه الشخصيات كونهم مذهب تعمّقي في الإسلام، من هذه الشخصيات مثلا النبي أيوب وداوود وسليمان والخضر (مار جرجس) والست شعوانة (تتطابق مع قصة القديسة مارينا) عليهم السلام جميعاً. اما حول الحدث في هذه الأيّام فإنّه من اللافت هذا التطابق بين ما يتواتر عندنا عن الست شعوانة والتي يرجح الموحّدون أنّها كانت في زمنٍ قريب من زمن النبي يعقوب عليه السلام وقد شيّدوا لها مزارَين في البقاع لبنان وعين قنية في هضبة الجولان وبين قصّة القديسة مارينا عند المسيحيّين. وأنا شخصيّاً أرى أنّ هذا التشابه هو جانب مهم عندنا خصوصاً في الوطن الرسالة وهو دليل على تمسك الأديان بالتراث القِيَمِيّ الذي يسمو فوق كل الطقوس والغايات والسياسات الدنيويّة".