لعل الاعتداء الاخير على محطة "الجديد" قبل يومين يسلط الضوء مرة جديدة على عنوانين اساسيين هما الامن والاعلام. وكان من حسن الحظ إلقاء القبض على احد افراد المجموعة المعتدية، والا لكانت التحليلات والاستنتاجات ذهبت بعيدا كما هي العادة بعد كل اعتداء يبقى مجهولا، فقد بات سهلا السير بالتحقيق حتى النهاية ومعرفة سائر افراد المجموعة وخلفية الاعتداء. و"حزب الله" كما رئيس مجلس النواب نبيه بري بصفته رئيسا لحركة "امل" هما اول المعنيين بنتائج التحقيق، لكون الموقوف ينتمي الى بيئة محسوبة عليهما، و"جغرافياً" في العاصمة هو محسوب اكثر على الحركة، ومن مصلحتها بالتأكيد معرفة ما اذا كانت هناك اختراقات في صفوفها ولمن تتبع، ولا سيما ان مجموعات من "البيئة" نفسها عمدت الى اقفال بعض الطرق في العاصمة ليل الاثنين" احتجاجا على توقيف من ألقي القبض عليه، على رغم بيان من الحركة وآخر من الحزب، واعلان رفع الغطاء عن المجموعة التي نفذت الاعتداء على محطة "الجديد"، ونفى أي علاقة بها، وهذا ما يطرح علامات استفهام كبيرة حول مجموعات "مجهولة" تعبث بالامن ساعة تشاء من دون حسيب او رقيب، وبات معروفا ان لا تحركات عفوية في لبنان - من زمان - بل هي نادرة، وبوصلة الرأي العام لا تخطئ في التمييز بينها وبين التحركات المبرمجة وعبر "الريموت كونترول".
وللمناسبة، ثمة شعارات برزت منذ اشهر على جدران في الاحياء والطرق الرئيسية وتحت الجسور في العاصمة يفترض ان تلفت - وان متأخرة - الاجهزة الامنية ولا سيما المخابراتية منها في الجيش وقوى الامن والامن العام نظرا الى خطورتها، فهي تستبطن تحريضا طائفيا ومذهبيا وتلعب على الوتر المذهبي بين المسلمين السنة والشيعة. وقد احيط وزير الداخلية مروان شربل علما بها من احد اصدقائه الصحافيين قبل نحو شهرين، فبادر على الفور الى الاتصال بقيادة الشرطة واوعز بارسال دورية لشطب تلك العبارات التحريضية بعد تحديد اماكنها، فكان ان شطبت جزئيا، وقد وعد الرجل ونفذ، او على الاقل حاول، ولكن بعضها "تجدد" او لا يزال موجودا.
وفي معلومات لم تتأكد من مصادر رسمية، ان شاهد عيان هو سائق تاكسي يعمل ليلا، روى انه شاهد شخصا تحت جنح الظلام في احد الانفاق يكتب عبارات طائفية لمصلحة جهة ثم يشطبها للايحاء ان "الفريق الآخر" هو الفاعل، وبدا واضحا انه يفعل الشيء نفسه معكوسا تحت جسر آخر... وسيكون من المفيد بالتأكيد لو ان الاجهزة الامنية تتمكن من تعقب "كتّاب" الشعارات التحريضية والقبض عليهم لمعرفة الجهة التي تقف وراءهم، ولا سيما ان "المشروع التحريضي الطائفي والمذهبي، هو تاريخيا اسرائيلي المنشأ، وتشهد على ذلك مذكرات مكتوبة وموثقة لمسؤولين اسرائيليين منذ اكثر من خمسين سنة.
والاعتداء على محطة "الجديد" يسلط الضوء مرة جديدة على الاعلام، ولا سيما المرئي منه لكونه الاكثر انتشارا، وكذلك على سائر وسائل الاعلام الفاعلة والمؤثرة والتي تشكل مصدرا اساسيا ورافدا للاعلام المرئي والالكتروني.
واذا كان اللبنانيون على كل المستويات يجمعون على التمسك بالحريات على اختلافها، وفي الاعلام خصوصا، فانهم في الوقت نفسه المتضررون من اي تداعيات لكل عمل غير مسؤول سواء في الاعلام او في اي مجال عام آخر، وثمة واقع يفرض تساؤلات، برسم اصحاب المؤسسات الاعلامية المرئية وغيرها، ومعظمهم سياسيون واحزاب، وبالتأكيد برسم الجهات المعنية، رسمية ونقابية ومن التساؤلات:
اولا - هل على الاعلام ممارسة رقابة ذاتية وان بالحد الادنى، سواء على الصورة او على الكلمة التي تستبطن تحريضا؟ بالتأكيد نعم، فحماية الوطن والناس من تداعيات اي خطوة تحريضية، لا تتناقض قطعا مع الحرية، بل على العكس، تساهم في حمايتها.
ثانيا - هل يجب التمعن في اختيار "الضيف" في البرامج السياسية الصباحية والمسائية على اختلافها، وحتى في البرامج ذات الطابع الاجتماعي، ولا سيما عندما يفتح الهواء لساعات امام الكثيرين، من دون اي مبرر، اي من دون اي رابط بحدث ما او بملف ما، وهذا ما ينطبق على كثيرين ممن يستحضرون، فقط بهدف التصويب على هذه الجهة او تلك، وهذا ما يبدو جليا في معظم المحطات ذات اليمين وذات اليسار؟
ثالثا - هل يجب اعتماد رقابة ذاتية على الصور والافلام التي تبث من دون اي "مونتاج"، ولا سيما منها تلك العائدة الى جثث ودماء واعمال عنف، وقد تعرّض اللبنانيون لـ"فضائح" حقيقية بعد جرائم اغتيال وتفجير كثيرة؟
رابعا - هل تتناقض الرقابة الذاتية مع الحرية؟ قطعا لا. ولا احد يستطيع المزايدة على مؤسسات عالمية عريقة في الحرية، وفي دول تشكل رمزا ساطعا للحريات الديموقراطية والاعلامية والانسانية تعتمد دائما تلك الرقابة.
هل شاهد احد جثة واحدة من ثلاثة آلاف بعد تفجيرات نيويورك الارهابية او بعد تفجيرات لندن الارهابية قبل اعوام؟؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك