أمران استوقفا المتابعين السياسيين في كلام الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله اقله في الشأن اللبناني باعتبار ان موقفه المتبني للثورات في العالم العربي يصطدم هو الآخر بمعايير مزدوجة في شأن دعم ثورات او انتفاضات اخرى كما حصل مثلا في ايران. الامر الاول يتصل بوضع الامين العام للحزب خطا احمر على حكومة تكنوقراط يؤلفها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي في وقت تعالت اصوات مسؤولين في الحزب مطالبة بحكومة "مقاومة" اي انها حكومة لقوى 8 آذار من دون اي تغطية شكلية من تكنوقراط كما يحاول رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان مع الرئيس ميقاتي عدم منحها صبغة حكومة اللون السياسي الواحد حماية لها من جملة ضغوط محتملة ومتوقعة. وهذا الموقف للحزب جديد نظرا الى ما نسب اليه لدى تكليف ميقاتي وبدء الكلام على عقوبات او ضغوط يمكن ان تلحق بقطاعات عدة في لبنان من ان الحكومة لن تضم حزبيين من "حزب الله" لعدم فرض هذا الطابع على الحكومة وبدا ان حكومة التكنوقراط التي وردت ولا تزال في اهتمامات ميقاتي هي المخرج المنطقي الوحيد من اجل الخروج بحكومة مقبولة على الاقل من اللبنانيين وليس من الافرقاء السياسيين جميعهم بالضرورة.
وهذا التغيير في الموقف يمكن ان يساهم في زيادة العبء على الرئيس المكلف الذي لا يزال يحرص على الكلام عن حكومة متوازنة حتى بين قوى الفريق نفسه في حين يخشى ان يؤدي ذلك الى نتيجتين احداهما غياب امكانات التفهم من الخارج على ما كان يحصل ابان الحكومات السابقة التي كانت تضم وزراء للحزب من ضمنها، والثانية تقديم هدية كبيرة لقوى 14 آذار التي سيسهل عليها التصويب اكثر على حكومة من هذا النوع منه على حكومة متوازنة وسطية او تضم وسطيين. وهذا الامر لا يستهان به خصوصا ان ما يستند اليه الحزب من اجل التغطية على سلاحه او تنفيس حملة قوى 14 آذار على السلاح عبر عبارة "الجيش والشعب والمقاومة" التي يرغب في ايرادها في البيان الوزاري تختلف في ابعادها بين حكومة تكنوقراط في غالبيتها او حكومة "المقاومة". اذ ان لهذه العبارة مدلولات مختلفة ولو انها نفسها في البيان الوزاري العتيد باعتبار ان ايرادها مع حكومة غالبيتها تكنوقراط يضفي عليها شرعنة اكبر فيما ان موضوع السلاح خلافي والحكومة لن تحل المواضيع الخلافية الكبيرة بامتياز فان ايراده بهذه الطريقة هو لاستيعاب الحملة على السلاح بطريقة ما لان الهدف من ايرادها في البيان الوزاري يكون في هذه الحال اشبه بتجنب ازمة سياسية او حكومية. اما ورود العبارة نفسها في البيان الوزاري لحكومة "مقاومة" كما طالب الحزب في اليومين الاخيرين فيكتسب بعدا آخر قائما على واقع ان هناك غلبة لفريق سياسي على آخر وتثبيت ذلك هو عبر الحكومة وبيانها من دون الاخذ بوجهة نظر القسم الآخر من اللبنانيين علما ان هذه العبارة وردت في البيان الوزاري للحكومة السابقة انما تحت سقف الموازنة بين هذا المطلب ومطلب حماية المحكمة الخاصة بلبنان والمحافظة عليها ودعمها.
لكن في ظل المواصفات الجديدة ثمة من يثير تساؤلات فعلية عن التلاقي بين ما يقوله الرئيس المكلف وما قاله الامين العام للحزب باعتبار ان الامر يغدو اصعب حين تنزع عنه قسرا صفة الوسطية التي يتمسك بها على رغم كل شيء بحيث ان السؤال يدور فعلا عما اذا كان الهدف هو دفع الرئيس ميقاتي الى الاستنكاف والاعتذار على رغم تأكيد السيد نصر الله ان الحكومة ستتألف برئاسة ميقاتي.
في النقطة الاخرى التي اثارت اهتماما، تلتقي مصادر ديبلوماسية غربية مع مصادر سياسية في بيروت على اعتبار ان الامين العام لـ"حزب الله" قد اخطأ على الاقل تقنيا في التقاط الرسالة الاساسية التي يمكن استخلاصها من وثائق ويكيليكس بغض النظر عن صحة ترجمة الوثائق او احتمال ترجمتها سياسيا كما رأى كثر من اصحاب الآراء التي نشرت انه لا يمكن حزبا كـ"حزب الله" عدم التقاط هذه الرسالة سياسيا وواقعيا. وهذه الرسالة تكمن في المدى الذي بات يثقل فيه "حزب الله" ككل على كاهل الوضع اللبناني حتى في معرض مواجهته لاسرائيل نظرا الى ان الحزب اقر على لسان امينه العام بمسؤوليته عن الاستدراج الى الحرب عبر قوله "لو كنت اعلم". وفي حين تذكر المصادر السياسية بما حصل مع منظمة التحرير الفلسطينية ومدى العبء الذي حملته للبنان لاعوام طويلة على رغم تحالف قسم كبير من الشعب اللبناني معها فان الفلسطينيين في لبنان تكبدوا المآسي كما كبدوها ايضا للشعب اللبناني بأسره ولم يأت الحل للاسف عبر لبنان او الفلسطينيين انفسهم. حتى ان بعض الشهادات المنسوبة الى نواب من "تكتل التغيير والاصلاح" صبت في خانة ما يلتقي عليه قادة لبنانيون يمثلون رأيا عاما واسعا.
لكن المصادر نفسها تعتبر ان اللجوء الى استخدام هذه الوثائق والتهديد بتقديمها الى القضاء هو بمثابة الاسلوب نفسه في محاولة اثارة مسألة او قضية يوازن بها الحزب القرار الاتهامي المرتقب عن المحكمة الدولية بعد محاولة اثارته موضوع "شهود الزور" الذي اثبت فشله في تحقيق هذه الموازنة. فتصبح المسألة مضبطة اتهامية الى القضاء اللبناني تحت عنوان الخيانة في مقابل المضبطة الاتهامية من المدعي العام للمحكمة الدولية دانيال بلمار في ملف الاغتيالات.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك