هناك سباق واضح بين ليبيا من جهة واليمن من جهة ثانية على الدخول في الحرب الاهلية ومآسيها. نعم، حربان أهليتان في غياب ما يمكن ان يسمّى مرجعية عربية. ذلك ان مؤسسة القمة العربية معطلة او بالأحرى ساقطة بعد الذي حصل في مصر وتونس وما يحصل الآن في بلدان عربية أخرى.
واذا كان من المضحك أن النكتة التي أطلقها أحدهم عندما قال: "إن القمة العربية المقبلة ستكون قمة للتعارف بين الزعماء العرب الجدد"، باتت الآن أقرب الى التحقق ولو نسبيا، فان من المبكي أن تكون الجامعة العربية مجرد شاهد عاجز ومقعد يدعو الى الشفقة لأنه لا يستطيع ان يفعل شيئا حيال ما يجري في هذا العالم العربي، الذي يبدو في معظمه هشيما من الانظمة والسياسات والحكام وقد أطبقت عليه "النار"، ولكن من دون وجود أي اطفائيات عاقلة ومتزنة.
وبالطبع من دون امتلاك الشباب والثوار أي بدائل مفهومة وقادرة على تأمين انتقال معقول من سلطة التكلس والاهتراء الى بداية أنظمة حكم تعبر ولو نسبيا عن طموح الناس الى الحرية والديموقراطية والكفاية.
طبعا، ليس هناك ما هو أهم من الحرية والديموقراطية في حياة الشعوب، ولكن الأمر يحتاج في النهاية الى معدة تشبع خبزاً. ففي دول أوروبا الشرقية، التي حلّقت بأجنحة الديموقراطية قبل 17 عاما تقريبا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لم يتمكن الناس من أكل الديموقراطية، ولهذا فانهم حتى الآن يتمتعون بالحرية وايضا بزقزقة عصافير بطونهم كما يقال.
ليس هذا الكلام لإحباط أحد، فنحن مع التغيير بلا أي تحفظ، ونحن مع التطوير وإنفاذ ارادة الشعب عبر الاختيار الديموقراطي الحر، ولكن ما يجري الآن في بلدان عربية كثيرة وبالطريقة الظاهرة يفرض بالضرورة قيام حذر أو مخاوف مشروعة.
هذا لا يعني ان حكم معمر القذافي سيجد من يتأسف عليه وهو الديكتاتور الذي سحق شعبه وكاد أن يذبح الثوار الليبيين لولا التدخل الذي أقره مجلس الامن، وقد ذبح منهم آلالاف.
وهذا لا يعني ان حكم علي عبدالله صالح سيجد من يبكيه بعدما وصلت به الامور حد إمطار المتظاهرين بالرصاص الحي في جامعة صنعاء، بعدما حكم 32 عاماً.
ولكن كل هذا وذاك لا يعني قط أن ليس هناك خوف مشروع من الانزلاق السريع الى الحروب الأهلية في ليبيا واليمن، وهو انزلاق قد يجر بلدانا عربية أخرى الى هذا الأتون المرعب.
في ليبيا يواصل التحالف الدولي قصف خطوط الامداد لقوات القذافي، التي نفذت مجزرة جديدة في مصراتة أوقعت 40 قتيلا. ولكن هناك مؤشرات متزايدة تطلق خوفا مشروعا من أن الامور قد لا تنتهي باقتلاع القذافي وقيام نظام يرسيه المجلس الوطني الذي شكله الثوار. فالانقسام الاوروبي حيال دور حلف شمال الاطلسي بدا واضحا بعد مرور ثلاثة أيام على بدء العمليات.
واذا كانت اميركا تريد أن تتخلى عن قيادة العملية لحلفائها الاطلسيين، فإن هؤلاء منقسمون انقساما عميقا حول الاهداف النهائية للعملية ومصير القذافي، ولعل من المثير ان عاصفة من الشكوك تتصاعد بين دول الاتحاد الأوروبي الـ27 حول دور الحلف والخوف من نتائج تدخله لحسم الامر في بلد عربي على الشواطئ الجنوبية للمتوسط!
واذا كان الخلاف قد وصل بين الاوروبيين الى موضوع الاسم الذي يجب اطلاقه على العملية، فان تصريحات عمرو موسى المتسرعة والمستهجنة ساهمت في زعزعة الموقف الأوروبي، وخصوصا بعدما اتهم الاطلسيين بالتسبب في وقوع قتلى من المدنيين الليبيين، مستندا على ما يبدو الى أكاذيب القذافي، وهو ما جعل الموقف العربي في حال من الحرج غير المبرر أمام العالم، وخصوصا بعدما كانت الجامعة العربية قد استعجلت مجلس الامن إقرار اقامة منطقة حظر جوي لمنع القذافي من ذبح الليبيين.
على أساس كل هذا يمكن المظلة الجوية ان تستمر، لكن ذلك قد لا يحول دون انزلاق ليبيا الى حرب اهلية قد تطول وقد تنتهي بالتقسيم، وهو ما أثار المخاوف منذ أمد ليس بالقليل.
أما في اليمن، فان الأمور دخلت بدايات الحرب الاهلية من بوابتين:
البوابة القبلية الخطيرة والحساسة. فقد نقلت الانباء أخبارا أمس عن قتال بين قبيلتي "سخان" و"خولان" أوقع قتيلين وثلاثة جرحى.
والبوابة العسكرية الاخطر. فقد أعلن عن قتال بين الحرس الجمهوري المؤيد للرئيس صالح في المكلاّ وبين احدى فرق الجيش التي انضمت الى الثورة.
واذا كان صالح قد سارع الى التحذير من وقوع انقلاب عسكري ضده، بعدما صار "الضباط يتساقطون مثل أوراق الخريف"، كما قال، فان ذلك لا يعني قط أنه لا يواجه خريطة من الحروب القبلية الاهلية المتداخلة. ومدينة الجوف ليست الوحيدة التي دهمتها القبائل وطردت الحرس الجمهوري منها.
واذا أضفنا الى كل هذا مطالبة الجنوب بالانفصال وما سيسببه من قتال، والنشاط المتزايد لتنظيم "القاعدة"، ثم استيقاظ الشهية الحوثية في التحرك ضد صنعاء، يمكن ان ترتسم أمامنا صورة مخيفة لحرب أهلية طويلة تبرز فيها ايضا مخاطر التقسيم.
أمس أبدى الرئيس اليمني استعداده لمغادرة السلطة نهاية السنة بعد انتخابات عامة، وهو العرض الذي سبق ان قدمته المعارضة ورفضه قبل أسبوعين.
وسيقول اليمنيون له الآن بالتأكيد ما قالوه لحسني مبارك: "ما ينفعشي". وعلى كل هذا اننا عربيا في مرحلة ولادات قيصرية مؤلمة وصعبة سال ويسيل منها كثير من الدماء قبل بدء ظهور المواليد الجديدة!
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك