زحلة بين بداية الأسبوع ونهايته... مشهدان متناقضان!
12 Jul 202106:15 AM
زحلة بين بداية الأسبوع ونهايته... مشهدان متناقضان!
نداء الوطن
نداء الوطن
جاء في "نداء الوطن":

منذ بداية الأزمة المعيشية التي عصفت باللبنانيين، شكلّت زحلة نموذجاً للتناقضات التي تجتمع في البيئة اللبنانية، بحيث يصعب على المراقب أن يحدّد موقع المدينة من إنهيار القيمة الشرائية لليرة اللبنانية، وما خلّفه عدم الإستقرار النقدي من قدرة على صمود مختلف القطاعات.

على صفحة احدى وسائل التواصل الإجتماعي كتب أحدهم "زحلة فنزويلا من الإثنين للجمعة، ولاس فيغاس السبت والأحد". الوصف يبدو دقيقاً الى حدّ بعيد، إذا ما قورنت حالة الركود الكبيرة التي تعانيها الأسواق والمؤسسات التجارية بمعظم أيام الاسبوع، بحيث يبدو الوسط التجاري كمنطقة مهجورة في ساعات الدوام العادية، بمقابل حجم الإقبال على مقاهي المدينة وحاناتها ومطاعمها وخصوصاً في نهاية الأسبوع.

في زحلة "الفنزويلا" تتجمّع السيارات يومياً بطوابير الذلّ أمام محطات الوقود، فتتراجع حركتها الى الحدود الدنيا بوسط المدينة، أما في زحلة "لاس فيغاس" فإكتظاظ السيارات على بولفار المدينة إختياري مساء كل نهاية أسبوع، ووجهتها المطاعم وحانات المدينة وملاهيها الليلية، وكأنّنا أمام مشهدين من مدينتين مختلفتين.

يعيد البعض هذا التناقض الى حجم الكتلة النقدية الطازجة المتدفّقة على اللبنانيين من مغتربيهم، ومن بين هؤلاء شريحة واسعة من شباب المدينة الذين إستبقوا الأزمات بالبحث عن فرص عمل لهم في الخارج، تركوا بمغادرتهم إنطباعاً بأنّ زحلة صارت مدينة للمتقاعدين فقط. في إستطلاع سريع لصحّة هذه المقاربة، يتبين ان عائلات كثيرة باتت تعتمد فعلياً على الدولار الطازج الوافد الى المدينة، أو ذلك الذي نجحت بتحريره من المصارف قبل القبض بصورة نهائية على ودائعها.

إلا أن أولويات إنفاق هذا "الدولار الطازج" تتفاوت أيضاً بين من يحتاجه لتأمين القوت اليومي والحاجات الأساسية، وبين من يستخدمونه للحفاظ على المستوى المعيشي الذي إعتادوا عليه سابقاً. وفي الحالتين يؤمّن هذا الدولار دوراناً ولو جزئياً للدولاب الإقتصادي في زحلة.

إذاً، هذا جزء من مظاهر الإرتياح الإصطناعي الذي لا يوفر إستقراراً معيشياً يرتكز اليه في التخطيط للمستقبل. وكأن زحلة كما سائر المدن اللبنانية تمرّ في حالة إنتقالية، تحاول خلالها أن تستر كل "حاجاتها" بإنتظار فرجها المقرون بتبدّل الظروف السياسية والإقتصادية العامة بلبنان عموماً.

ولدى زحلة من المقوّمات ما يسمح لأبنائها بالإعتقاد أنّ حالهم أفضل من سواهم. فبالرغم من بعض القلق الذي بدأ يلفّ قدرة شركة كهربائها على الصمود بوجه تناقص مادة المازوت وقطع التغذية المتواصل من قبل مؤسسة كهرباء لبنان، لا تزال المدينة، وأقلّه الوحدات السكنية فيها، تنعم بتغذية متواصلة من الكهرباء. وبالرغم من أزمات النفايات والتلوث التي تعصف بمختلف المدن اللبنانية، تحاول بلديتها الحفاظ على تقدّم زحلة أيضاً بالنظافة وتأمين المعالجة السليمة للنفايات، ولو بظلّ صعوبات يفرضها التبدّل السريع بتكاليف هذه الخدمات. والخدمتان "الطبيعيتان" صارتا إمتيازاً في مدينة زحلة، دفعت ببعض الزحليين للتفكير ملياً بالإستقرار مجدداً في مدينتهم، بعدما كانوا قد نقلوا مسكنهم الى أماكن عملهم في بيروت خصوصاً. والأهم أن القطاع الخاص في المدينة، وخصوصاً الشاب، لا يزال يؤمن بقدرته على مواجهة الأزمة بمزيد من الإستثمارات، وخصوصاً في قطاع الحانات والمقاهي، التي وإن قلّت أرباحها المحفوفة بخطر التبدّد مع تهاوي قدرة العملة الوطنية أمام سعر صرف الدولار، كما يؤكد أصحابها، تصرّ على الصمود، إيماناً بدور سياحي يعتقد القيمون في المدينة أن زحلة وحدها تستطيع ان تلعبه، لما توفره من متنفّس حرية لأبناء المدينة ومحيطها.

ولكن إذا كانت حياة الليل في زحلة مزدهرة، فإن ذلك لا يعني أن زحلة كلّها بخير. فخلف الأبواب الموصدة، يؤكد الناشطون في الجمعيات الإنسانية ان كثيرين يسترون عوزهم، وهناك عائلات كانت تصنّف ميسورة في الماضي، تكابر اليوم من خلال إنفاق مدخراتها التي كانت تعتقد أنها لن تحتاجها الا في مراحل متقدّمة من الحياة، فيما البعض وصل فعلياً الى نقطة الهاوية.