نسمع في الأشهر الأخيرة أن السلطة الفلسطينية تنوي الإعلان في أيلول عن إقامة دولة فلسطينية داخل حدود 1967 بشكل أحادي الجانب، الإعلان الذي يتوقع أن يحظى بتأييد الجمعية العمومية للأمم المتحدة وربما أيضا بتأييد مجلس الأمن. وبحسب بعض المحللين، يمكن للإعلان أن يكون خطوة إيجابية تجد حلا في لحظة واحدة لكل المشاكل وأوجاع الرأس في كل ما يتعلق بالنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني. وعليه، لماذا الانجرار إلى مفاوضات لأشهر عديدة إذا كان ممكنا ببساطة التخلص من كل هذه الفوضى بشكل أحادي الجانب؟ للأسف، لا توجد في الحياة حلول سحرية، وهكذا الأمر في هذه الحال- دولة فلسطينية يُعلن عنها من طرف واحد لن تحل قضية واحدة من القضايا الجوهرية التي تتصدر الصراع.
غداة الإعلان الأحادي الجانب، سينهض الفلسطينيون في الضفة الغربية ليصطدموا بالحواجز نفسها للجيش الإسرائيلي، مع المستوطنات نفسها في عمق الدولة الجديدة ومع الارتباط نفسه بإسرائيل في كل ما يتعلق بإدارة الاقتصاد الفلسطيني. ولن يكون في وسع أي فلسطيني من مخيمات اللاجئين في لبنان، او في الشتات الفلسطيني بشكل عام، الاستفادة من تعويض مالي مقابل الجور الذي لحق بعائلته عند قيام دولتنا، ولن يكون في وسع أي عربي من أرجاء العالم الفوز بوصول أكثر حرية إلى المسجد الأقصى مما هو قائم الآن في الوضع الحالي. ومن يتوقع شرق أوسط جديداً وسلاماً سيأتي بعد إعلان الاستقلال الفلسطيني من طرف واحد، فهو مخطئ ببساطة.
ولكن، لا يكفي أن الحل الأحادي الجانب للفلسطينيين لن يحل أي قضية جوهرية من قضايا النزاع، بل هو سيوجد مشاكل. وعلى سبيل المثال، اليهود الذي يقيمون شرق الخط الأخضر، سيتحولون إلى أقلية في دولة فلسطين من دون أن يكون مستقبلهم فيها واضحاً: هل سيُطردون على يدها من دون تنسيق مع إسرائيل؟ هل ستُمنح لهم المواطنة الفلسطينية، أم سيتم تعريفهم على أنهم مقيمون غير قانونيين بكل ما لهذه الكلمة من معنى ومغزى؟
تحاول الحكومة الإسرائيلية أن تكون خلاّقة في مواجهة الوضع السياسي المعقد الذي دخلت إليه منطقتنا، ونحن نسمع في الآونة الأخيرة عن وجود مبادرة نتنياهو لتسوية انتقالية. لكن سبق لأبو مازن أن أعرب عن معارضته للمبادرة، سواء جاءت معارضته لانعدام ثقته بحكومة إسرائيل التي ترفض وقف الاستيطان في المناطق التي تطالب الحكومة بالتفاوض حولها أو على الأقل مواصلة المفاوضات ببراءة من النقطة التي توقفت عندها، أو سواء أتت انطلاقا من رد فعل شرطي ( بافلوفي) مدمر كما أجاد رئيس الحكومة في وصفه للوضع.
ولكن المعارضة لمبادرة التسوية الانتقالية لا ينبغي أن تأتي من الفلسطينيين، بل من داخل إسرائيل بالتحديد.ذلك أن التسوية الانتقالية لا تحل النزاع. صحيح أن من شأنها تسهيل حياة الفلسطينيين وأن ترفع عنهم بشكل مؤقت الضغط الدولي، لكن تسوية انتقالية (مثل الخطوات الأحادية الجانب لإسرائيل في السابق وللفلسطينيين في المستقبل) لا تتضمن البند الأكثر أهمية لإسرائيل: انهاء النزاع ونهاية المطالب من قبل الطرفين. وهذا ما تطلعت إليه حكومة إسرائيل في السابق وهذا ما يتعين مواصلة الإصرار عليه.
يتعين على أبو مازن ونتنياهو أن يعرفا أن النزاع الإسرائيلي ـ العربي بحاجة إلى معالجة جذرية. فمن شأن الضرر الناجم عن حلول سحرية أحادية الجانب أو مؤقتة، أن يكون أكبر من الجدوى التي فيهما. وحتى لو بدا الحل الأحادي الجانب أو الحل المؤقت، حلاً سحرياً، إلا أنه لا يستجيب للمشاكل المركزية التي يمكنها ويجب أن تتلقى رداً في إطار مفاوضات الحل الدائم الذي سيُنهي النزاع والمطالب من قبل طرفي النزاع. فمن دون وعد كهذا في الأفق السياسي، سنكتشف سريعاً أن الحلول السحرية هي في الواقع حلول لعنة، وأن توقعات السلام ارتفعت مجدداً وحصلت تنازلات مؤلمة من دون مقابل جوهري في المنطقة
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك