صحيح أنّ وزير الدفاع فايز غصن قال إنّ الجيش لا يحتاج إذناً من "حزب الله" أو غيره لبسط سيطرته على المناطق اللبنانية، لكن الأصحّ أنّ التحرّك الحازم للقوى الأمنيّة، خاصة الجيش، في كل من الضاحية الجنوبية ومحافظة البقاع، وغيرها من المناطق، في آن واحد، وتوقيف مطلوبين للعدالة بالقوة، ما كان ليتم لولا قيام "حزب الله" برفع الغطاء عن كل المطلوبين الذين يحاولون الإختباء في عمق بيئته الشعبيّة، هرباً من العدالة. فهذا التحرك الأمني الشامل في أكثر من منطقة، في آن واحد وبفعالية كبيرة، كان بالتأكيد يحتاج لتغطية سياسية. وهنا تذكير أنّ الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله كان قد دعا في أكثر من مناسبة القوى الأمنية إلى التحرّك، وفرض القانون، وهو أشار عند حصول عمليّات الخطف التي نفّذها مسلّحون قيل إنّهم من "آل المقداد"، إلى أنّ الأمور خرجت عن السيطرة، الأمر الذي فُسّر بمثابة "ضوء أخضر" للقوى الأمنية للتحرّك. كما أنّ "حزب الله" لم يكتف برفع الغطاء عن المخلّين بالأمن، بل أظهر إستعداداً لتقديم تنازلات قاسية، كما حصل في قضيّة المخطوفين اللبنانيين في سوريا، وبالتالي ذهب "آل المقداد" "كبش محرقة" - كما يقال. أكثر من ذلك، ساعدت اللجان الأمنيّة في الحزب، إستخبارات الجيش، على تحديد مكان المطلوب حسن كركي الملقّب بعنتر الأمر الذي سمح بتوقيفه في عمق الضاحية الجنوبية، بعد تمكّنه من الفرار بعد فتحه النار على القوة المداهمة، موقعاً إصابات عدّة في صفوف أفرادها وضباطها!
وإذا كانت الأسباب المعلنة لرفع الحزب الغطاء عن الخارجين على القانون، هي وقف الفلتان العام في لبنان، والسماح للدولة بفرض هيبتها، فإنّ الأسباب غير المعلنة، هي:
أولاً: سحب مقولة وجود مربّعات أمنيّة خارجة عن سيطرة الدولة من يد المعارضة، وهي ورقة ضغط معنوي تُستخدم دورياً، خاصة في أوقات الإنتخابات. والهدف أن تظهر الضاحية وبعلبك وغيرها من الأمكنة، مناطق مفتوحة أمام قوى الشرعية، في الوقت الذي تزداد فيه الأقاويل عن الشروع في إقامة مربّعات لقوى محسوبة على المعارضة الحالية، وحتى إمارات إسلامية خارجة عن سيطرة الدولة!
ثانياً: تأمين التغطية المطلوبة لتحرّك الجيش ضد القوى السلفيّة والإسلامية المتشدّدة، بعد أن باتت تشكّل تهديداً ميدانياً لأنصار المقاومة ولمؤيّديها، كما حصل عند إقفال طريق الجنوب جزئياً مثلاً، وعجز الدولة في حسم الموضوع بالقوة، باعتبار أنّ من غير المنطقي ولا الممكن التشدّد ضد فئة، والتراخي أمام فئات أخرى. بمعنى آخر، من غير الممكن فتح طريق الجنوب بالقوة، وعدم فتح طريق المطار بالقوة على خط مواز، أو فتح طرقات عكار، وعدم فتح طرقات الضاحية أو بعلبك!
ثالثاً: تأمين التغطية المطلوبة لتحرّك الجيش ضد المعارضة السورية التي تزداد إنتشاراً، والتي يخشى الحزب أن تصبح خارج أي محاسبة في حال إستمرار أجواء الفلتان المسلّح في لبنان، ما قد يشكّل خلفيّة لوجستيّة مهمّة لمقاتلي المعارضة في الداخل السوري. ومن الواضح أنّ القوى الأمنيّة اللبنانية باتت أكثر حزماً في مختلف المناطق ضد المعارضين السوريّين، وحتى على الحدود، مستفيدة من الدعم المعنوي الذي كسبته من تحركها الحازم في الداخل اللبناني.
رابعاً: التخلّص من عصابات نهب وسطو وخطف وغيرها من الإرتكابات والجنايات، من دون إغضاب العشائر أو العائلات التي تنتمي إليها، من خلال "غسل اليد" من أي تحرّك للقوى الأمنيّة الشرعية ضدّها. وبالتالي الحفاظ على شعبيّة الحزب، من جهة عبر تأمين أجواء مستقّرة وآمنة للجميع، ومن جهة ثانية عبر السماح للدولة بتوقيف أي خارج على القانون بنفسها، وبالتالي عدم تورّط الحزب مباشرة بأي عمليّات أمنية في بيئته.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك