من أشعل الصراع؟
النهار

تفضي الخلاصة الواضحة لموجة الجدل السياسي الواسع حول قانون الانتخاب، والتي تعتبر موجة اولى في سياق سيطول كثيرا، الى مفارقة شديدة الاهمية في واقع لبنان وسط التطورات الدراماتيكية التي تشهدها سوريا تحديدا. وهي مفارقة ترسخ في اذهان اللبنانيين، ان النقاش الانتخابي يدور حول المستحيلات في حين تمكن هذا البلد في حقبات حروبه ثم في واقع سلمه البارد من ان يتوصل الى تفاهمات على ما يوازي قانون الانتخاب اهمية واكثر.ولنقل انها مفارقة مقلقة في ظروفها الحاضرة ولكنها غير مفاجئة اطلاقا متى قيست بميزان الاحتمالات الواقعية التي يرتبها الزلزال السوري على الواقع السياسي اللبناني.في حقبات الوصاية السورية على لبنان، وبدءا من انتخابات 1992 حتى 2005، لم تكن القوانين الانتخابية سوى املاء لارادة الوصي في استنبات مجالس نيابية تحكمها اكثريات تغطي وصايته. وبعد 2005 بدأ الصراع الداخلي يتخذ بعده الحقيقي على السلطة والسياسة وكل شيء، ولكنه بدا منضبطا ضمن خطوط حمر اتاحت اجراء دورتين انتخابيتين حملتا الى المجلس الاصطفاف الناشئ عن ائتلافي 14 آذار و8 آذار. وفي عام 2008 كان ثمة شيء هجين مزج في قانون الـ60 المطعم باتفاق الدوحة نتاج واقع عسكري افضى اليه اجتياح 7 آيار لبيروت وواقع "هدنوي" ارسته تسوية ملء الفراغ الرئاسي وقانون الانتخاب.كان يمكن بنظرة مبسطة توقع ولادة سهلة هذه المرة لقانون انتخابي لا يخرج عن سياق التفاهم العام بين سائر القوى، على غرار تلك الحقبات. لكن الفارق نشأ عن احادية القرار الحكومي قبل اي عامل آخر في التفرد الذي ضرب الناحية الميثاقية ايا بلغت بلاغة المبررين للحكومة في وضع مشروعها من دون اعتبار لمواقف 14 آذار والنائب وليد جنبلاط. وحتى مع الرهان الواقعي الصحيح على الخلافات المسيحية العمودية، فان الحكومة كشفت في تفردها ان السياق العام الذي يوجه مسارها هو انجاز انقلاب سياسي معاكس للاحتمالات التي تنطوي عليها انعكاسات الازمة السورية على لبنان. ولم تعد المسألة صراعا على النسبية او الاكثرية او على تقسيم الدوائر مقدار ما توغلت الى اي حكم سيمسك بلبنان بعد ربيع 2013 وفي ظل اي سوريا.مفاد هذه المفارقة ان المشروع الحكومي نفسه اشعل الصراعات المسيحية - المسيحية مجددا وسيشعل ايضا الصراع اللبناني - اللبناني الاوسع على مستحيلات القانون الانتخابي وعبره على الطائف نفسه. ومع ذلك، ستشرف هذه الحكومة على الانتخابات الموعودة، بفعل امر واقع يستحيل معه ايضا تغييرها. والموجة الاولى لن تكون الا البداية في صراع سيحمل الكثير على وقع اختلال ميثاقي لم تحاسب عليه الحكومة ولن تحاسب عليه الا في هذا الصراع الذي تسببت به.