زوّار واشنطن: رئيس الجمهورية المقبل توافقي

جوني منيّر

الجمهورية

الزيارات المتتالية التي يقوم بها المسترئسون الى العاصمة الاميركية تُنبىء بكل وضوح بأنّ مرحلة الاستحقاق الرئاسي بدأت فعلياً، ولو أنّ البلاد غارقة في الاستحقاق النيابي ومشاريع القوانين المطروحة حوله.
ففي واشنطن زحمة زوّار لبنانيين جاء معظمهم متخفياً وبعيداً عن الإعلام ليلتقي المسؤولين الأميركيين ويقدّم امتحانه ويغدق بوعوده. وهؤلاء الزوّار إمّا أنهم مرشحون مفترضون أو منتدبون من مرشحين "باب اول" لا تسمح لهم الظروف بالقيام شخصياً بهذه الرحلة.
لكن العاصمة الأميركية غارقة حتى رأسها في حمّى المواجهات المستعرة بين اول رئيس أسود للبلاد يسعى إلى تمديد إقامته في البيت الأبيض، وبين مرشح يحمل لواء السياسة المتشددة لاستعادة الهيبة الأميركية في قيادة العالم.
ويعود هؤلاء الزوّار اللبنانيين بانطباعات مختلفة من بلاد العم سام. ذلك أنّ شعور القلق النابع من أزمة اقتصادية لا تزال تخنق البلاد، يسود المجتمعات الأميركية كافة. والاهمّ أنّ الأفق لا يحمل أي بشائر حلول لهذه الأزمة التي باتت تهدد المستقبل الاقتصادي لهذه القوة العظمى.
كذلك، فإنّ زائر واشنطن يلمس هذا الاعتراف الأميركي الضمني بتراجع موقع الولايات المتحدة الأميركية في قيادتها للعالم. فواشنطن لم تعد القوة المطلقة الوحيدة التي تحرّك النظام العالمي الجديد كما تريد.
لا بل انّ التحديات أرهقتها وأضعفت من قدرتها بدءاً من تحدّي الصين التي أضحَت في أولوية التخطيط الأميركي، مروراً بالتمرد الروسي الذي غلب عليه طابع المشاكسة، وانتهاءً بأزمة الربيع العربي التي بدأت تحمل مفاجآت سلبية، والدور الإيراني العنيد والأزمة السورية التي ذهبت في اتجاهات غير محسوبة.
وعلى رغم هذه الصورة الملبّدة، يميل الناخب الأميركي إلى التجديد لأوباما، ليس مكافأة على كل الإخفاقات التي أصابت قيادته البلاد بها، إنما خوفاً من طروحات ميت رومني المتشددة لا بل المتهورة إلى حد الجنون.
ويسمع هؤلاء الزوّار أنّ واشنطن ليست متفرغة لأي تعقيدات في الشرق الاوسط، مثل تدهور الوضع بين سوريا وتركيا، وأنها أبلغت إلى تركيا ضرورة العمل على ضبط النفس لأنّ الولايات المتحدة الأميركية لن تستطيع مد يد العون إليها في حال دخلت روسيا وإيران على خط مساندة سوريا. وهذا يعني أيضاً أنّ واشنطن لن تبحث في الأزمة السورية وحلولها قبل اتضاح الرؤية في البيت الأبيض.
وحسب المطلعين، فإنّ واشنطن كانت تأمل بدور أوروبي ما على صعيد تمهيد طريق التفاوض مع إيران من خلال روسيا حول الأزمة السورية، إلّا ان هذا لم يحصل. والسبب يعود الى خشية أوروبا، وتحديدا فرنسا وألمانيا، من رَمي جهودهما جانباً، حالما تستفيق الولايات المتحدة الأميركية من غيبوبتها الانتخابية.
وفقاً لذلك، يأتي الاستنتاج المنطقي، بأنّ المعارك السورية متروكة لسجيّتها، ولكن وفق سقف محدد وإطار مضبوط، تتولى تركيا تنفيذه، وأحد أهمّ بنوده يركز على النفوذ المتعاظم للتيارات الإسلامية المتطرفة وضرورة عدم حصولها على السلاح المتطور نسبياً. كل ذلك في انتظار أن تفتح قنوات التفاوض عندما يأذن التوقيت الأميركي بذلك.
ومن هنا يرى كثيرون أنّ غموض الوضع السوري، يعني غموضاً على المستوى اللبناني، ما يعني ارتفاع احتمالات عدم حصول انتخابات نيابية، ويعزّز هذا الانطباع الصراع الداخلي العنيف حول قانون الانتخابات، ما يجعل المشهد الداخلي جاهزاً لاحتضان ظروف التعطيل.
فالطائفة المسيحية التي أعلنت بوضوح من خلال بكركي رفضها العودة إلى قانون "الستين"، قابلها وليد جنبلاط بالتمسّك به كخيار انتخابي واحد ووحيد، مستنداً إلى التزام سعد الحريري خياره. والعامل الأهم في هذا المجال، ما بدأت تستشفّه أوساط ديبلوماسية غربية حول وجود رغبة غير معلنة لدى مراجع رسمية كبيرة إضافية، ما يفتح باب التمديد على وسعه وفي كل الاتجاهات.
وبَدا لهذه الأوساط أنّ الضامن الوحيد لحصول الانتخابات النيابية يبقى من خلال تقدّم المفاوضات التي من المفترض أن تتولّاها الولايات المتحدة الأميركية مع إيران من خلال روسيا. والتسويات تعني أيضاً بالضرورة ضمان حصص الجميع في السلطة بعيداً عن أي نتائج قد تسفر عنها الانتخابات، تماماً كما حصل مع انتخابات العام 2009 النيابية الملتهبة.
فالقرار الشيعي هو من تولّى تسمية رئيس مجلس النواب، والقرار السنّي هو من تولى تسمية رئاسة الحكومة التي احتوَت الثلث المعطل كضامن للخاسر في الانتخابات، وجاء رئيس الجمهورية على أساس مواصفات الرئيس التوافقي.
وتعتقد هذه الأوساط، استناداً إلى أجواء العاصمة الأميركية، أن الأمور قد لا تتغير كثيراً في استحقاقي 2013 و2014، ولا سيما على مستوى رئاسة الجمهورية، لجهة انتخاب رئيس توافقي، وليس رئيساً على أساس غالب ومغلوب.
وتعطي هذه الأوساط أسماء عدة كأمثلة على ذلك، مثل جان عبيد ورياض سلامة وروبير غانم، من دون استبعاد وصول قائد الجيش، أي العماد جان قهوجي، مرة جديدة إلى قصر بعبدا، كون النكهة العسكرية ما تزال مطلوبة في المرحلة المقبلة بسبب الأوضاع الامنية في لبنان.