امجد اسكندر
الجمهورية
الفدرالية أو العلمنة في رأيي هما الحلان الجذريان لأزمة النظام في هذه الرقعة من الارض التي اسمها لبنان. هذان الحلان مصيرهما بين أيادي المسلمين في لبنان. ولن يُكتب النجاح للفدرالية او العلمنة إلا إذا اقتنع الرأي العام المسلم بواحدة منهما. هذا الاقتناع يجب ان يكون طوعياً ووليد رغبة صادقة، فلا تفرضه موازين القوى او ضرورات التسويات القاهرة.
والى أن تأتي تلك الساعة، ولا أحد يعلم متى تأتي تلك الساعة، لن يعرف لبنان الاستقرار إلا في ظل "الانظمة المتحركة". "اتفاق الطائف" ينتمي الى تلك الصيغ من "الانظمة المتحركة".
بمعنى أنه جاء تعديلاً في صيغة العام 1943، ويحمل في طياته إمكان تعديل في التعديلات. من الحسنات ـ السيئات أن الطائف متحرك، حتى إنه جعل قانون الانتخابات النيابية خارجه. كل قانون يمكن أن يأتي بـ"طائف جديد"، فتتغير مواقع قوى الاحزاب والطوائف. "الانظمة المتحركة" وصفة سحرية للدول المركبة سياسياً والمتنوعة دينياً والمتعددة اجتماعياً، ومن صفاتها التطور والمرونة.
ولكن من صفات اللبنانيين العناد، فلا يكتشفون مرونة تعديل صيغ نظامهم إلا بعد كل مئة ألف قتيل! المشكلة على الجانب المسيحي، ان وطأة التاريخ وهواجس الوجود والدور، أفرزت تيارات مسيحية سطحية تؤخذ بظاهر الاحداث لا بعمقها، تيارات لا تصبر ولا تبصر ولا تتبصّر.
ولأن هذه التيارات على عجلة دائمة، غالباً ما تحصد ندامة العجلة. المزاج المسيحي العام في لبنان يميل نحو "النهائيات"، على عكس منطق التاريخ. هو مرتاح الى عبارة في الدستور تقول إن لبنان "وطن نهائي"، ويعتبر هذه العبارة انتصاراً له وثمرة تضحيات كبيرة.
ولكن لا شيء يمنع أن ينتهي المسيحيون سياسياً، في ظل "لبنان نهائي أبدي سرمدي". حتى الفدرالية او العلمنة، حين ينضج الاقتناع بهما، قد يجعل التاريخ منهما محطة، لا نقطة وصول الى بر الامان. مصيبة المسيحيين انهم ابتلوا بأفكار أشخاص لا يتفاعلون مع الوقائع بحسّ تاريخي سليم. حالهم حال المتأخر عن استيعاب منطق الحاضر، أوالمتعجل لتغييره.
الخميس المنصرم أطل السيد حسن نصرالله تلفزيونيا ووضعنا على حافة حرب إقليمية، ثم ختم ليلنا ميشال عون مبشراً بحرب عالمية. نحن على مشارف حربين، ويريد عون ان يقنعنا ان تحقيقاً مالياً سينهي ازمة النظام والكيان وسيختم احزان المسيحيين في الشرق. إنها مشكلة مسيحيين متأرجحين. ساعة يجدون الحل في "جيش"، وساعة في شخص، وساعة في حلف، وساعة في ريح دولية.
كيف يمكن تفسير"تيار" انتقل من حال عداء مسعور لنظام آل الاسد في سوريا، الى حال حلف "قاتل او مقتول" في زمن القتل السوري؟ إنه الضياع السياسي بأوضح صوره. من تبريرات "تيار العونية" أن العداء زال بانسحاب جيش الاسد. الأرمن، وبعضهم حليف للعونيين، لم يغفروا لتركيا مذبحة حصلت قبل نحو مئة عام.
مات كل مسؤول تركي أخذ قرار ذبح الأرمن، والأرمن ثابتون على موقف تاريخي. يريدون من "تركيا اليوم" اعترافاً واعتذاراً وتعويضاً عمّا فعلته "تركيا السلطنة". المسيحيون العونيون من عالم آخر. انتقد المجلس الوطني السوري بعنف ممارسات آل الاسد في لبنان، فبدلاً من ان ترحب "المسيحية العونية" بهذه المراجعة التاريخية، التصقت بقاتلها.
مثال آخر على الضياع: المعارضة السورية تريد إلغاء اتفاقية التعاون والتكامل لأنها مجحفة بحق لبنان، وبدلاً من أن تشجع "المسيحية العونية" هذا التوجه، أقامت حلفا انتحارياً واستجارت من الرمضاء بالنار. من يسترجع الادبيات السياسية "للعونيين" في اتفاق الطائف، لا يصدق كيف عادوا وانخرطوا فيه. غداة اعلان عون الحرب على سوريا أصيب حافظ الاسد الحذِر بالحيرة.
وبعدما تأكد ان عون بحساباته الخاطئة يقدم خدمة استراتيجية للأسد، ابتسم الاسد وظن عون ان الاسد يبتسم! لن يغير الله بهذا اللبنان حتى يغيِّر بعض المسيحيين ما في أنفسهم. والى ان يتغير هذا البعض المسيحي، نرجو من المسلمين سُنّة وشيعة، أن يصبروا معنا، وأن يعالجوا تيار"العونية الاسلامية" في صفوفهم.