اميل خوري
النهار
هل في الإمكان التوصل الى حل لمشكلة المحكمة الخاصة بلبنان ولمشكلة سلاح "حزب الله" من اجل وضع حد للانقسام العمودي الحاد بين اللبنانيين وتجنيب البلاد تداعيات عدم التوصل الى هذا الحل سياسيا وامنيا واقتصاديا؟
تقول اوساط سياسية مراقبة ان لا حل لمشكلة سلاح "حزب الله" في المدى القريب اذا كان هذا الحل يرتبط بالتوصل الى تحقيق سلام مع اسرائيل ان لم يكن شاملا فأقله بين لبنان وسوريا من جهة واسرائيل من جهة اخرى، اذ لا يعود عندئذ مبرر لبقاء السلاح للمقاومة لان الاراضي اللبنانية والسورية تكون قد تحررت من الاحتلال الاسرائيلي. لكن انتظار تحقيق هذا السلام قد يطول فيبقى السلاح في يد المقاومة. والحل الآخر هو التوصل مع ايران الى اتفاق على وقف مد "حزب الله" بالسلاح، الا ان التوصل الى هذا الاتفاق مشروط بالتفاهم على الملف النووي الايراني او التفاهم مع سوريا على منع امرار السلاح عبر اراضيها الى الحزب، وهذا يتطلب تفاهما ايضا مع سوريا حول الوضع في الجولان... فلا يبقى اذاً من حل سوى التوصل الى تفاهم لبناني حول موضوع المحكمة الدولية وموضوع السلاح، وكلاهما يشكلان معركة قاسية تخوضها قوى 14 آذار وستكون لها نتائج مهمة على مجمل الاوضاع في لبنان.
والسؤال المطروح هو: هل في امكان الزعماء اللبنانيين التوصل الى اتفاق على حل لهاتين المشكلتين؟
الاوساط السياسية اياها تعتقد بانه اذا كان بين هؤلاء الزعماء رجال دولة كما كان في الماضي ايام الشدة وكانت مصلحة الوطن تتقدم اي مصلحة، فمن الممكن جدا التوصل الى اتفاق على حل لهاتين المشكلتين خصوصا اذا كان لا خلاف بين اللبنانيين على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم على ان يكون سلاح المقاومة موجها نحو اسرائيل وليس نحو الداخل لأي سبب من الاسباب والا فقد "قدسيته" لا بل فقد الاجماع على دوره وعلى القبول بحمله اذ تصبح فئة لبنانية مسلحة تواجه فئة غير مسلحة وتفرض عليها رأيها ومواقفها في كثير من الامور المهمة.
واذا كان جميع اللبنانيين يرفضون استخدام سلاح "حزب الله" في الداخل بل في وجه اسرائيل فقط كي يحظى بالدعم الرسمي والشعبي وبشبه اجماع في المواجهة مع العدو ولئلا يخسر اذا لم يحظ بهذا الدعم عندما يكون نصف اللبنانيين ضد هذا السلاح، فهذا يتطلب الاتفاق على الآلية العملية التي تمنع استخدام هذا السلاح في الداخل، وهذا جوهر المشكلة واساس اي حل، فالبيانات وحتى الاتفاقات لا تكفي لطمأنة اللبنانيين الى ان سلاح "حزب الله" لن يستخدم في الداخل بعدما سبق وصدرت مثل هذه البيانات وظل هذا السلاح يستخدم في الداخل، كما سبق ان خرق اتفاق الدوحة الذي يمنع استخدامه على هذا النحو. فلا شيء اذاً يطمئن اللبنانيين سوى احد امرين: الا يكون السلاح في الداخل اللبناني بل على الحدود مع اسرائيل فقط اي في جزء من الجنوب وفي جزء من البقاع، وكل سلاح يبقى في الداخل يصير التعامل معه على انه سلاح ميليشيا يصادر ويعاقب حامله، او ان يوضع سلاح "حزب الله" في تصرف الجيش اللبناني ويخضع استعماله لإمرة الدولة اللبنانية التي يتمثل الحزب في كل مؤسساتها ولاسيما في مجلس النواب وفي مجلس الوزراء، وانه من دون اعتماد احد هذين الحلين فمشكلة السلاح تبقى مشكلة مع الدولة اللبنانية ومع اللبنانيين ومشكلة للحزب نفسه عندما يصبح سببا لزعزعة الامن والاستقرار في البلاد.
فهل يعي "حزب الله" ومن معه هذه المسؤولية ويبادر الى القبول بأحد هذين الحلين؟
اما موضوع المحكمة الخاصة بلبنان فانها مشكلة ينبغي ايجاد حل لها ايضا لانها قد تعرض الامن والاستقرار في البلاد للخطر، وربما الوضع المالي. ومعالجة هذه المشكلة ممكنة اذا صفت النيات وزالت الاحقاد، والمعالجة لا تكون كما تطرح بربط الامن والاستقرار بصرف النظر عن معرفة الحقيقة وبلوغ العدالة لئلا يصبح الامن والاستقرار في البلاد تحت رحمة اي مجموعة مسلحة اذا لم يعجبها حكم القضاء، وعندها يصير الحق للقوة ولا تعود القوة للحق، وهذا معناه العودة الى العصور التي كانت فيها الانتقامات الشخصية هي السائدة والاخذ بالثأر هو القاعدة، اي العودة الى شريعة الغاب... وقد خرجت منها كل الشعوب حتى المتخلفة منها.
الواقع ان المنطق يقضي بان ينتظر الجميع صدور القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه كي يبنى عندئذ على الشيء مقتضاه لا ان يصير الحكم مسبقا على قرار لم يعرف مضمونه رسميا الا من خلال الشائعات والتسريبات. فهل يصبح الحكم عليه بالظن ام بالمستندات والدقائق والمستمسكات؟ وعندها اما يصير اتفاق على رفض مضمونه، واما يصير خلاف على الموقف منه، وهو خلاف لا يحسم في الشارع ليصبح القرار الاتهامي سببا لزعزعة الامن والاستقرار والوضع الاقتصادي والمالي، بل بأحد أمرين: اما بالرد على ما تضمنه القرار على اساس مقارعة الحجة بالحجة والادلة بأدلة وهو ما تقضي به الاصول في المحاكمات، واما يعقد مؤتمر مصالحة ومسامحة في المكان الذي يتفق عليه تطوى فيه صفحة الماضي بكل مآسيها وآلامها واحزانها، وتفتح صفحة جديدة من السلام والوئام بين اللبنانيين على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم حبا بلبنان وحرصا على وحدته وسلامته وعيشه المشترك. اما ان تلجأ اي مجموعة مسلحة الى الشارع رفضا لاي حكم يصدر عن القضاء ويتهدد بزعزعة الامن والاستقرار اذا لم يلغ هذا الحكم... فلا يعود عندئذ دولة ولا قضاء ولا مؤسسات. فكما ان الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، اعلن انه سيعد ملفا بما نشرته "ويكيليكس" على لسان مسؤولين وسياسيين لبنانيين حول حرب تموز 2006 لمقاضاتهم امام المحاكم المختصة، فان عليه ان يفعل الشيء نفسه بالنسبة الى القرار الاتهامي لا ان يكون هو الخصم والحَكَم ويصدر الاحكام بحق هؤلاء وينزل بهم العقاب الذي يريد ومن دون محاكمات.
اذا كان لا يزال في لبنان رجال دولة واصحاب نيات حسنة يقدمون مصلحة الوطن على كل مصلحة، فان في امكانهم ان يتوصلوا الى حل عادل لمشكلة السلاح ولمشكلة المحكمة، فلا تظلان سببا لزعزعة الامن والاستقرار والوضعين الاقتصادي والمالي