أكد مصدر ديبلوماسي عربي في بيروت أن رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري فعل الصواب عندما سارع إلى التبرؤ من المحاولة الفاشلة لاقتحام السراي الحكومي، ودعا أنصاره إلى الخروج من الشارع فوراً، لأنه بذلك قطع الطريق على قاتل اللواء الشهيد وسام الحسن من تحقيق أهداف الاغتيال، بإيقاع الفتنة الشاملة في لبنان.
ورأى المصدر في تصريح لصحيفة "السياسة" الكويتية أن بعض رموز قوى "14 آذار" وغيرهم كثير من المحللين تعاطوا بسطحية مع حدث الاغتيال وعبرت تعليقاتهم عن سذاجة سياسية، إذ اعتبروا أن هدف النظام السوري من قتل الحسن الانتقام منه بسبب كشفه جريمة ميشال سماحة، وتغافلوا فجأة، عما كانت في الحقيقة مهمة سماحة، أي إشعال الاقتتال الأهلي.
وإذا كانت القيادة العليا لفريق الرابع عشر من آذار قد تنبهت إلى هذا الهدف الحقيقي، إلا أنها لم تتصرف بالطريقة الملائمة لإحباط المخطط في مهده.
وأوضح المصدر أن ما يفعله بشار الأسد في لبنان الآن هو تماماً ما فعله والده في العام 1976، وإن كان بالاتجاه المعاكس، لأن حافظ الأسد زج بجيشه في لبنان لمنع انتقال عدوى الحرب الأهلية، والذي كان هو أحد مشعليها، إلى الداخل السوري. واليوم فإن نظام البعث يصدر الفتنة الملتهبة في بلاده إلى لبنان، وليست صدفة أن يكون الوسيط الذي أنهى الحرب اللبنانية، الأخضر الإبراهيمي، هو الذي بشر اللبنانيين باحتراق "الأخضر واليابس" في بلدهم إذا استمرت الحرب في سورية.
وقال المصدر: "لقد جاء اغتيال الحسن في سياق إقليمي بدأه الأسد يسعى إلى توريط لبنان في ما يعتبره الحرب على نظامه، وليس أدل على ذلك سوى الاعتراف المقصود الذي أطلقه أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصر الله بالقتال في سورية. وبعد أن فعل هذا الكلام فعله، من احتقان وغضب شديدين داخل جمهور المعارضة اللبنانية، جاء الاغتيال كصاعق تفجير لهذا الغضب وقد انجرت بعض الرؤوس الحامية والمتحمسة في جمهور "14 آذار" إلى هذا الفخ قبل أن يستدرك سعد الحريري بحكمة هذا المطب".
واعتبر المصدر أن هذا المسعى البعثي ليس دليلاً على قوة النظام السوري, بل بالعكس فهو دليل ضعف وتراجع نتيجة التقدم المضطرد الذي يحققه "الجيش السوري الحر" على الأرض، بحيث يعتقد المحللون العسكريون الغربيون أنه لو تم توفير الأسلحة المطلوبة لهذا الجيش وخصوصاً المضادات الجوية لأمكن الحديث عن حسم عسكري يسقط الأسد خلال شهرين لا أكثر.
وبناء على ذلك، فإن تضييق الخناق على نظام الأسد سيدفعه إلى مزيد من الأعمال الانتحارية في محيطه، كمثل استدراج اشتباك عسكري مع تركيا من خلال استخدام "حزب العمال الكردستاني"، أو استفزاز الأردن ليتحرك الشارع "الإخواني" ضد الحكم. أما الساحة الأسهل لتنفيذ مخططاته فتبقى الساحة اللبنانية.
ورأى المصدر الديبلوماسي أن الحكمة تقتضي من قوى "14 آذار" العمل في إطار خطة سياسية مدروسة تجنب البلاد المنزلق الذي أريد لها من اغتيال الحسن, فإسقاط حكومة الرئيس ميقاتي وعدم قيام حكومة بديلة يعني عدداً من الأمور السلبية هي:
أولاً: إلغاء موقعي الرئاسة الأولى والثالثة من المعادلة الداخلية, لأن رئيسي الجمهورية والحكومة يستمدان صلاحياتهما من مجلس الوزراء مجتمعاً, فإذا ألغي دور هذا المجلس في مرحلة طويلة من تصريف الأعمال قد تمتد حتى الانتخابات النيابية المقررة الصيف المقبل، سقطت قدرة الرئيسين على إدارة ملفات السياسة والأمن, وهذا تماماً ما يريده الأسد، بعد أن لمس تطور موقف رئيسي الجمهورية خصوصاً ضد نظامه.
ثانياً: في ظل ترسانة السلاح غير الشرعي الضخمة لـ"حزب الله"، سيتعطل القرار السياسي للجيش بغياب مجلس الوزراء، مع ما يحمله ذلك من خطر تصدع في صفوفه، كما حصل في العام 1975، فيبقى الحزب اللاعب الأقوى ميدانياً. ولا عجب إذا شهدناه يتمدد علناً ليسيطر على منطقة الحدود مع سورية، فيشكل سنداً قوياً يحتاجه النظام السوري بشدة في مأزقه العسكري المتفاقم.
ثالثاً: إسقاط لبنان في الفوضى الأمنية الشاملة من دون أي إمكانية لتدخل عربي أو غربي ينقذ البلد سيعيد التذكير بالدور "الإيجابي" المزعوم الذي لعبه جيش الأسد في الحفاظ على استقرار لبنان. وإذا كان المنطق يقول إن النظام السوري بات أوهن من أن يستدرج العروض للتدخل في لبنان، وهو المهدد بالسقوط في أي لحظة، فإن تفكير حاكم دمشق لا يتسم بأي منطق، فهو كالغريق يتمسك بحبال الهواء، أو كالانتحاري لسان حاله يقول أنا ومن بعدي الطوفان.
وخلص المصدر الديبلوماسي إلى أن الاقتصاص من قاتل الشهيد وسام الحسن مطلوب بالتأكيد، إلا أن الصبر مطلوب أكثر في هذه المرحلة. فبقاء حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أو رحيلها ليس هو الرد على الاغتيال في هذه اللحظة. ولعل الخطوة المرتقبة لقوى "14 آذار" في مقاطعة الحكومة سياسياً هي الأقرب إلى الحكمة والصواب بانتظار جلاء الموقف في سورية خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. وللفريق السيادي اللبناني تجربة ناجعة في الصبر، في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري, فقد أدى صمود "14 آذار" وعملها المتأني والدؤوب إلى قيام المحكمة الدولية وتوجيه الاتهام للقتلة الحقيقيين، بعد أن كان التفكير بذلك في 14 فبراير 2005 مجرد حلم.