انطوان غطاس صعب
Lebanon Files
غريبة هي الاحوال السياسيّة في لبنان كيف تتبدّل بين دقيقة وأخرى. كان وضع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي السياسي متدهوراً قبل الظهر في ظلّ ضغط شعبي يطالبه بالاستقالة لأنّ "في عنقه" دم الشهيد اللواء وسام الحسن، وهو الذي جاء الى الرئاسة الثالثة بطلب من الفريق المتهم من جانب المعارضة بانفجارالاشرفية. ليصبح وضعه بعد الظهر في "القمّة" بعد أن قامت مجموعة متظاهرين بمحاولة اقتحام السراي الحكومي والاشتباك مع القوى الامنيّة، فتحوّل الميقاتي الى "محاصر" و"مهدّد" و"ضحيّة"، ولاقى تعاطفاً ممّن اعتبروا أنّ الرجل يواجه لغة الشارع.
لا يعود السبب في ذلك فقط الى وجود مناخ دولي داعم لحكومته ورافض لاستقالتها ودخول لبنان في فراغ حكومي - سياسي يهدّد وحدته واستقراره. ولا الى موقف ممثل الامين العام للامم المتحدة ديريك بلامبلي من القصر الجمهوري الداعم للحكومة والداعي الى وضع حدّ للانفلات الامني. ولا حركة الاتصالات المكوكيّة لوزير الخارجية الفرنسيّة مع رئيسي الجمهورية والحكومة والنائب وليد جنبلاط لضبط الوضع والامتناع عما يضرب الاستقرار الحكومي. ولا الى تمسّك قوى 8 اذار، وعلى رأسها حزب الله، بعدم الاطاحة بالحكومة التي تعني تفريطاً بالسلطة ومكتسباتها. ولا الى رغبة "أسديّة" - "نجاديّة" بالذهاب بآخر معاقل فريق "الممانعة" في لبنان، أي الحكومة الميقاتيّة. هذه الأسباب، على أهميّتها وموضوعيّتها، لا تحجب الدور المتقدّم للاعلامي نديم قطيش في إنقاذ ماء وجه "ابن طرابلس". فنداؤه الشهير، بعد كلمة الرئيس فؤاد السنيورة، "يلّا يلّا ع السرايا" دفع جمهور قوى 14 اذار الذي تعاني من احتقانٍ متراكم، الى التوجه الى محيط مقرّ رئاسة الحكومة ورمي حرس الحماية بالحجارة والعصيّ، بينما كان ميقاتي نفسه يشاهد ما يحصل ويضحك في "عبّه" على قاصرين في السياسة تحرّكهم غرائزهم وعواطفهم بدل أن يركنوا الى الحنكة والنضج في مقاربة مشهديّة الأيام الأخيرة منذ وقوع انفجار الاشرفيّة.
بدّل الرئيس ميقاتي حساباته تماماً. بإمكانه الأن، ومثله حلفائه في الحكومة، أن يحيّدوا اهتمامات الرأي العام من هول جريمة اغتيال رئيس فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي، الى تداعيات أعمال الشّغب في محيط السراي الكبير، التي وإن كانت مفهومة في سياق ما يتعرّض له هذا الفريق من محاولات تصفية جسديّة، إلا أنّها لا تصرف في إطار الصراع السياسي السلمي ولعبة المعارضة والموالاة.
لن نقول هي براءة أو غباء سياسي لحشود ساحة الشهداء، الذين يمكن فهم وضعهم في ظل تشتّت أطياف المعارضة الى حدّ أن يتحوّل نديم قطيش ناطقاً باسمها. ولا عجب إذا قام ميقاتي بتعيين قطيش مستشاراً اعلاميّاً له، فهو حفظ ماء وجهه في أدقّ الظروف وأخطرها على مستقبله.