بين الغضب والضياع

من الطبيعي أن يخلّف اغتيال اللواء وسام الحسن الكثير من الغضب لدى أنصار تيار المستقبل وحلفائه، وأن يخلق بعضاً من ضياع في صفوف حركة 14 آذار  في ظل انكفاء وليد جنبلاط عنها وغياب الرئيس سعد الحريري لأسباب أمنية موجبة ومفهومة.

 

الغضب يتأتى من الشعور بالعجز أمام القاتل، وكأن كل التضحيات التي بدأت مع استشهاد الرئيس رفيق الحريري والتي لن تنتهي مع اغتيال اللواء وسام الحسن لم تثمر، على الأقل بعد. الغضب أيضاً، لأن ثمة واقعاً أن الغلبة في هذا البلد هي للسلاح الذي يمتلكه حزب الله ويرفض تسليمه للدولة تحت حجة مقاومة إسرائيل تارة وحماية لبنان من شرها تارة أخرى، بينما هو يستعمله لتحقيق مآربه في الداخل. وهناك غضب من نوع آخر  يتأتى من صمود بشار الأسد، حليف حزب الله والعدو الأساسي لثورة الأرز، وتماسكه بعد مضي سنتين على اشتعال الثورة السورية لما يعنيه سقوطه (أو بقاؤه) على الداخل اللبناني.

 

وإن كان للغضب ما يبرره،  فالضياع الذي تجلى في المواقف المتناقضة التي تلت أحداث تشييع اللواء الشهيد وسام الحسن غير مقبول، حيث إن الرئيس السنيورة من جهته طالب برحيل حكومة الميقاتي وتشكيل حكومة إنقاذ وطني (كان قد عرضها على فكرة الرئيس ميقاتي على قوى 14 آذار وجوبهت بالرفض حينها)، بينما النائب معين المرعبي ذهب إلى طرح التقسيم والعصيان المدني عنواناً للمرحلة المقبلة، فيما الإعلامي نديم قطيش  طرح شعار لا لسلاح حزب الله متبنياً الهجوم على السراي الحكومي بعد مشاورات أجراها مع زوجته.

 

من البديهي أن تكون أسئلة كثيرة ومؤلمة تصدح في أروقة القرار عند تيار المستقبل وحلفائه: إلى متى هم الضحية؟ إلى متى يتحكم السلاح والإرهاب بالحياة السياسية في لبنان؟ كم من رفاق سيشيَّعون قبل أن يتحرك العالم ويُحاسِب المسؤولين بدلاً من الاكتفاء بالإشارة إليهم؟ إلى متى يبقى الجلاد حراً طليقاً؟ لماذا استمرار الفاتورة الذي يدفعها ثوار الأرز ومن دمائهم؟ إلى متى يبقى البلد رهينة ايران وسورية؟ وكيف يواجهون ماكينة القتل تلك المتربصة بلبنان؟ وكيف يواجهون شذوذ حزب الله بديمقراطية، وجنون بشار الأسد بروية؟

 

كل تلك الأسئلة مشروعة والأجوبة قد يكون بعضها يأتي من الداخل عبر تصحيح الأداء السياسي لفريق 14 آذار، وتوحيد الهدف بعد قراءة معمقة لواقع الحال من حولنا.

 

وبعضها قد يأتي من خارج لبنان، من خلال تغييرٍ ما في السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط، وهو ليس متوفراً في المدى المنظور، أو بسقوط بشار الأسد، وبثورة إيرانية خضراء تطيح نظام الملالي، لعل وعسى. ولكن من الآن حتى هذا اليوم، الجواب الوحيد الممنوع من الصرف لدى التيار وحلفائه هو اللجوء إلى اليأس، ومن ثم إلى العنف كمضاد حيوي له، أو كحلٍّ قد يبدو الأسهل للعبور إلى الدولة.

 

فليس من المقبول أن يُستدرَج تيار المستقبل وحلفاؤه إلى حيث يرغب حزب الله أو يريد بشار الأسد، أي عسكرة المواجهة، تمهيداً لاتهامها بالأصولية، وصولاً إلى حرب أهلية، لن يملك أسرارها إلا أصحاب القمصان السود وحلفاؤهم من الشبيحة، بينما المطلوب بالأساس هو مواجهة منطق التمرد على الدولة بالتمسك أكثر بشرعيتها ومؤسساتها، وتعرية هذا الحزب ومن معه من كل الغطاءات الممكنة السياسية والطائفية ولا سيما الشيعية منها والتي يحتمي خلفها،  من خلال التأكيد على الطائف والعيش المشترك بمواجهة المؤتمر التأسيسي الذي يروج له هو وإعلاميوه، وهومجرد مؤتمر تقسيمي وطائفي.

 

المحافظة على لبنان وإيصاله إلى بر الأمان بالرغم من كل العواصف التي تحيط به من الداخل والخارج، تحتاج إلى صبر وتظافر عوامل داخلية وخارجية، (اقتصادية وسياسية وعسكرية)، من المفترض العمل من أجل إيجادها بروية، ومن دون عنف. إنه عمل مضنٍ وشاق ويكاد يبدو مستحيلاً، تماماً كما بدا انسحاب القوات السورية بعيد اغتيال الرئيس الحريري، وذلك كي لا نخسر لبنان ونسيء إلى بانيه الراقد إلى جوار جامع محمد الأمين.