إفتتحت الجامعة الأنطونية تساعية الميلاد، بصلاة ترأسها في كنيسة سيّدة الزروع في حرم الجامعة في الحدت- بعبدا، رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس عبد الساتر، بمشاركة قدس الأب العام للرهبانيَّة الأنطونيّة الأباتي مارون أبو جودة، ورئيس الجامعة الأب ميشال جلخ، ولفيف من الرهبان، في حضور نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، والنائبين ألان عون وإبراهيم كنعان، وقائد الجيش العماد جوزيف عون، ومدير مخابرات الجيش العميد الركن أنطوان قهوجي، ورئيس بلدية بعبدا أنطوان حلو، ورئيس بلدية الحدت جورج عون، إضافة الى عدد من الشخصيات السياسيّة والعسكريّة والأمنيّة والاجتماعيّة والاعلاميّة، وأعضاء الهيئتين الإداريّة والتعليميّة في الجامعة ومجلس أمنائها.
وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران عبد الساتر عظة تحدّث فيها عن السيد المسيح الذي اختار أن يكون فقيرًا متجرّدًا بين الفقراء ليقول لهم إنّهم صورة الله وإنّهم أرفع من الملائكة في الكرامة، وقال: أفكّر بهؤلاء الذين استولوا في وطني على جنى عمر الناس ليزيدوا أموالهم ويبنوا قصورهم ويقووا نفوذهم، هؤلاء الذين يُنفقون الخيرات على الزائل ويحرمون الذين في عوز من الأساسي.
وأضاف بالقول: "علِّمنا يا ربّ أنّ الثورة الحقيقيَّة التي تغيِّر العالم وتُسقط المتسلّطين والفاسدين هي ثورتك أنت التي تبدأ بتغيير الذات بفعل روحك، ثورةٌ تقوم على قبول ومحبّة الآخر وعلى الخدمةِ المتجرّدة وعلى الاستقامة وتحمُّل المسؤوليّة، ثورةٌ لا تصيح في الشوارع ولا تكسِّر ولا تكتفي بالشعارات على الحيطان بل ثورةٌ لا تصمت أمام الباطل محاباةً للوجوه وتطالب كلّ يوم بلا كلل ولا ملل بالحقيقة وبالعدالة لضحايا انفجار بيروت وبالحقّ للمظلوم وللمعتدى عليه."
وفي ختام التساعية كانت كلمة لرئيس الجامعة الأب ميشال جلخ أكد فيها أن التساعية ليست إلا جرسَ تذكير لمن لم يبدؤوا بعدُ مسيرتهم باتجاهه، كي لا يضيِّعوا الطريق. وأضاف "العيدُ من هنا"، تقول لنا الكنيسة، ستجوبون المطاعم والمصارف والمراكز التجارية ومحلات الألعاب والهدايا، لكن الطريق سيبقى من هنا، ولا مفرَّ لنا مِن أن نَمرَّ بهدأة الصلاة والعودة إلى الذات، فهلّا أخفضنا قليلًا ضوضاء العالم لنسمع ترنيمة السماء؟ هلّا أخفضنا أخبار السياسة، وإشاعاتِ المجتمع، وهمومَ الاقتصاد، وثرثرةَ التواصل الاجتماعي، وقلقَ أفكارنا وهمومنا كي نسمع نبض القلوب؟
وقال:" صعب على الجامعة الأنطونيَّة ميلادُ هذه السنة لأنها تفتقد الليلة ضيفًا ممَيَّزا وجارًا فريدًا: إنَّه رئيسُ البلاد الذي ما نزال نترقَّبُه علَّه يُسرع في المجيء، فيملأَ فراغًا لا يحتملُه وطن مجروح وشعب تائه بين اقتصاد منهك وزعامات متنافرة."
وختم داعيًا الرب كي لا ينسى لبنان وكي يكثر الحبَّ والنعمة والإيمان في بيوت أبنائه، فيقرعَ العيد أجراسه في ضميرنا ويرافقَ أيامنا كلَّها ليكون عيدُه العجيبُ أعجوبةَ أيّامِنا جميعِها".
عظة المطران عبد الساتر:
" أنظر إليك يا طفل المغارة، يا ابن الله الذي تنازلت حتى الإمّحاء واخترت أن تولد بين صغار هذا العالم وبين المنبوذين والمهمّشين لتكشِف حبَّ الله الآب لهم، وأسجد لك وأفكِّرُ بهؤلاء الذين في وطني يستميتون ويُميتون أهلهم من أجل الجلوس على عرشٍ فانٍ. أفكِّر بهؤلاء الذين يَمكرون ببعضهم البعض ويَحوكون المكائد لإخوتهم ويتسبَّبون في الإنقسامات في الشعب الواحد من أجل أن ترتفع مراتبُهم وتزدادَ ثروتُهم ويرضى عنهم أولياؤهم وأصلّي:
ذكِّرهم يا ربّ أنّ كلَّ صغير يُهملون في هذا العالم وكلّ منبوذ ومهمّش يحتقرون أو يستغلّون هو دينونة لهم. ذكِّرهم أنَّ سلاطين هذا العالم والفاتحين من بينهم صاروا تماثيل باردة ومشوّهة ومكبًّا للعنات.
- أراك في مذود ترقد بعيدًا عن سريرك وقريتِك وأقربائك وأنت "الكائن" الذي لا يحتاج إلى مسكِن أو هويَّة ليكون، أراك في مذودٍ لأنّك اخترت أن تعيش ما يعيشه كلُّ غريب عن أرضه وكلّ مهجّر من بيته لتقول له إنّه موضوعُ عناية الله الآب وإنَّ موطنَه الحقيقيّ وسكناه الأبديّ هو في قلب الله، وأحني رأسي أمامك وأفكِّر بهؤلاء الذين غرقوا على طريق الغربة والذين يعاملون كغرباء في وطنهم والذين هُجِّروا وماتوا وعيونهم متّجهةٌ إلى الزيتونة التي غرسوها وإلى البيت الذي بنوه حجرًا وحجرًا. وأفكّر بهؤلاء الذين هجَّروا جيرانهم ورفاقَ دربهم بسبب حقد قديم أو من أجل تحقيق مشروع وهمٍ، وأصلّي:
أعد يا رب كلَّ مهجّر في العالم بسبب النزاعات إلى بيته، واجعلنا نعمل جميعًا من أجل خير الإنسان ونتخلّى عن كلِّ مشروع يسبِّب الألم للآخر ويفرِّق بين الأهل. ذكِّرنا يا ربّ أنّ الأخوَّة الإنسانيَّة والمحبّة لا ترتبطان بجنسيّة أو بدين أو بجغرافيا.
- أنظر إليك ملفوفًا بأقمطة وأنت السيّد اللّابس ثوب البهاء لأنّك اخترت أن تكون فقيرًا متجرّدًا بين الفقراء لتقول لهم إنّهم صورة الله وإنّهم أرفع من الملائكة في الكرامة وأتخشّع وأفكّر بهؤلاء الذين استولوا في وطني على جنى عمر الناس ليزيدوا أموالهم ويبنوا قصورهم ويقووا نفوذهم. هؤلاء الذين يُنفقون الخيرات على الزائل ويحرمون الذين في عوز من الأساسي، وأصلّي:
ذكِّر يا رب الذين يقضون عمرهم في سعي مستعر خلف المال والغنى أنّ الأكفان لا جيوب لها وأنّ ما يكدّسونه من مقتنيات لن يخفِّف عتمة القبر وأنّ أنين الجائع يسبقهم إلى أمام الله الآب. ذكّرهم يا ربّ بمثل الغنيّ ولعازر حتى لا يشتهوا قطرة الماء التي تُخفِّفُ عنهم شدّة اللهيب.
- أنحني أمامك يا أيّها الثائر الأوّل والحقيقيّ أنت الذي نقضت شريعة العين بالعين بشريعة محبّة الأعداء، أنت يا من ابتعدت عن "المقدّسين" بحرف الشريعة والفهماء والحكماء لتكون بين الخطأة وبسطاء القلوب والودعاء، أنت يا من ثُرت على التسلّط بالخدمة وعلى الفساد بالاستقامة، أنت يا من ثُرت على ديانة التعصّب والاستقواء بالله، ديانة الشريعة والدم، ثرت عليها بالعبادة بالروح لله الآب الذي أحببت ومشيئته تمّمت حتى النهاية، وأصلّي:
علِّمنا يا ربّ أنّ الثورة الحقيقيَّة التي تغيِّر العالم وتُسقط المتسلّطين والفاسدين هي ثورتك أنت التي تبدأ بتغيير الذات بفعل روحك، ثورةٌ تقوم على قبول ومحبّة الآخر وعلى الخدمةِ المتجرّدة وعلى الاستقامة وتحمُّل المسؤوليّة، ثورةٌ لا تصيح في الشوارع ولا تكسِّر ولا تكتفي بالشعارات على الحيطان بل ثورةٌ لا تصمت أمام الباطل محاباةً للوجوه وتطالب كلّ يوم بلا كلل ولا ملل بالحقيقة وبالعدالة لضحايا انفجار بيروت وبالحقّ للمظلوم وللمعتدى عليه."
كلمة رئيس الجامعة الأنطونيّة الأب ميشال جلخ:
"عجيب ميلادُ الرب!
هو المولود، والفرحُ لنا!
هو صاحب العيد ونحن مَن نتمنّى.
نأتي إليه، لا لنجعل عيدَه سعيدًا، بل لتُصبح حياتُنا، بهدي حبِّه، أرحَبَ وأعمقَ وأكثرَ إنسانيَّة. والأكثرُ إنسانيةً هو الأقربُ للألوهة.
نَصلُ إلى عيده محمَّلين بالأماني والأحلام والطَلَبات، إذ ماذا تُرانا نَهدي إلى مَن به أُعطينا كلَّ شيء؟
نَصلُ إليه، نلتمس من عائلته الفقيرة، من بيته المرتجَل المؤقّت، من بؤس ليلته الأولى على أرضنا، نعمةً لعائلاتنا التي رغم الضائقة ما زالت أغنى بما لا يقاس من عائلته، وبيوتُنا التي ما تزال أفضلَ بما لا يقاس من مذوده!
نَصلُ إلى فقره محمَّلين بكلِّ ما لدينا، مثقلين بممتلكاتنا ومشترياتنا وهدايانا... لا لنُهديه، بل لنسألَه أن يعطينا.
نصل إلى غربته في ذلك المذود المنسيّ لنسأله دِفئًا لعِلاقاتنا.
غريب ميلادُه! كلُّ المقاييس فيه مقلوبة، كلُّ البَداهات مربِكة، لَكَأنَّه تمرين على الملكوت، ذاك الذي لا يدركه ذهن ولا يخطر على قلب بشر.
مع ذلك... المهم أن نصل، أن ندرك مذود الرب خلف روزناماتنا المكتظة وحساباتنا المعقَّدة وواجباتنا الاجتماعية المرهِقة.
المهم أن نصل إليه. وليست التساعية إلا جرسَ تذكير لمن لم يبدؤوا بعدُ مسيرتهم باتجاهه، كي لا يضيِّعوا الطريق. "العيدُ من هنا"، تقول لنا الكنيسة، ستجوبون المطاعم والمصارف والمراكز التجارية ومحلات الألعاب والهدايا، لكن الطريق سيبقى من هنا، ولا مفرَّ لنا مِن أن نَمرَّ بهدأة الصلاة والعودة إلى الذات، فهلّا أخفضنا قليلًا ضوضاء العالم لنسمع ترنيمة السماء؟ هلّا أخفضنا أخبار السياسة، وإشاعاتِ المجتمع، وهمومَ الاقتصاد، وثرثرةَ التواصل الاجتماعي، وقلقَ أفكارنا وهمومنا كي نسمع نبض القلوب؟
مرورنا بمغارة السيِّد ليس كأيِّ مرور عابر. إنَّه يحوِّلنا ويُعيد خَلقَنا، حتّى إذا ما غادَرْنا يومَ العيد لم يغادِرْنا العيدُ بل بقي في قلوبنا نورًا يُضيء في الزمان الآتي دُروبًا للحبِّ والبساطة والرجاء.
صعب على الجامعة الأنطونيَّة ميلادُ هذه السنة لأنها تفتقد الليلة ضيفًا ممَيَّزا وجارًا فريدًا: إنَّه رئيسُ البلاد الذي ما نزال نترقَّبُه علَّه يُسرع في المجيء، فيملأَ فراغًا لا يحتملُه وطن مجروح وشعب تائه بين اقتصاد منهك وزعامات متنافرة.
فلنصلِّ إلى الربِّ كي لا ينسى لبنان وكي يكثر الحبَّ والنعمة والإيمان في بيوت أبنائه، فيقرعَ العيد أجراسه في ضميرنا ويرافقَ أيامنا كلَّها ليكون عيدُه العجيبُ أعجوبةَ أيّامِنا جميعِها".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك