محاولة الحصول على ثلث عدد الوزراء الذي تتألف منه الحكومة بات عقدة العقد، خصوصا عندما تكون التجاذبات السياسية على أشدها سواء بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أو بينهما من جهة، وبين رؤساء الاحزاب والكتل من جهة أخرى. وهذه العقدة ظهرت أول ما ظهرت في أواخر عهد الرئيس اميل لحود بسبب الخلاف الذي كان قائما بينه وبين الرئيس الشهيد رفيق الحريري والذي كان ينعكس بشدة عند تشكيل الحكومات، وكانت المطالبة بالمشاركة في تلك الحكومات تعني تمثيل القوى السياسية المرغوب فيها، واذا بهذه المشاركة تتحول مشاكسة داخل مجلس الوزراء من خلال وزراء محسوبين على رئيس الجمهورية أو على الوصاية السورية، مما جعل الرئيس سليم الحص يكتب مقالا بعنوان: "كي لا تكون المشاركة مشاكسة" جاء فيه:
"إن السجالات والتجاذبات، وأحيانا النزاعات والصراعات بين رأسي الحكم من شأنه أحيانا كثيرة اصابة الحكم بالعقم او الشلل او المراوحة. ولما كانت الرئاسات تتلازم مع صفة معينة، فان تصادم الرئيسين حول قضايا معينة مرشح لأن ينعكس انقسامات طائفية في الشارع، والتصويت في مجلس الوزراء اذا تعذر التوافق على المواضيع المطروحة عليه، أدى الى حالات استعصاء في تشكيل الحكومات، إذ إن كلاً من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء وكذلك رئيس مجلس النواب يسعى الى تكبير حصته من عدد الوزراء عند تشكيل أي حكومة كي يكون قرار الاكثرية في يده، فينشأ تجاذب بينهم حول الاقلية المعطلة ولمن تعود. لهذا فإن بت المشاريع بالتصويت قد يكون حلا آنياً للمشكلة ولكنه قد يكون مشروع مشكلة مستعصية في تأليف الحكومات وهو ما يوجب اعادة النظر في آلية تأليف الحكومات. وقد اقترح الرئيس الحص حلاً لهذا الوضع باعتماد الآلية الآتية:
"يجري رئيس الجمهورية استشارات نيابية لتسمية رئيس الوزراء ويعطي الرئيس المكلف أسبوعا واحدا لتشكيل الحكومة، فاذا اتفق مع رئيس الجمهورية على تركيبتها صدرت مراسيم تأليفها، واذا انصرمت مهلة الاسبوع على خلاف بين الرئاستين، عند ذاك يتعين على كل من الرئيسين تقديم أسماء مرشحيه الى مجلس النواب خلال ثلاثة ايام، على ألا يتجاوز عدد المرشحين من كل منهما الـ14، فاذا تبين ان رأي الرئيسين متفق على مرشحين معينين كان فوز هؤلاء بالمقاعد الوزارية بالتزكية. أما الاسماء المختلف عليها بين الرئيسين فتطرح على التصويت في مجلس النواب لتفصل فيها الاكثرية النيابية".
الواقع أن أهمية الحصول على ثلث عدد الوزراء ازدادت عند تشكيل الحكومات بعدما أصبح هذا الثلث، سواء كان يملكه رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة او حزب او تكتل، كأنه لا يعطل اتخاذ القرارات عند طرحها على التصويت فحسب، بل يقرر مصير الحكومة.
وهكذا بات تشكيل ما يسمى "حكومة وحدة وطنية" تتمثل فيها الاكثرية والأقلية معاً يصطدم بعقدة "الثلث" ولمن يكون، بعدما أصبح الثلث هو الحاكم الفعلي بتعطيل ما يشاء من القرارات. وكذلك بتعطيل انعقاد جلسات مجلس الوزراء، لأن غيابه عنها يحول دون اكتمال النصاب. والأخطر من كل ذلك، أنه قادر على تطيير الحكومة باستقالة وزراء هذا الثلث.
وقد لفت هذا النص في دستور الطائف سوريا فأخذت تصر على تشكيل حكومات وحدة وطنية كي تؤمن تمثيل الاقلية المحسوبة عليها، وتعرقل تشكيل حكومات من الاكثرية النيابية فقط، بحجة أنها حكومة اللون الواحد التي تجعل هذه الاكثرية تستأثر باتخاذ القرارات ولا سيما منها المهمة من دون مشاركة الاقلية. وهو ما حصل بعد انتخابات 2005 و2009 فكان الفشل والشلل بفعل التجاذبات التي تقوم داخل الحكومات بين اكثرية وأقلية وبين أضداد ومتاريس سياسية منصوبة داخل كل جلسة من جلسات مجلس الوزراء.
ولكن عندما تحولت الاقلية المحسوبة على سوريا اكثرية، وإن ظرفية وعابرة ومفتعلة، لم تعد سوريا تصر على اشراك الاقلية فيها والتي باتت تتمثل في 14 آذار، كونها مخاصمة سياسياً لها، بل باتت تكتفي بحكومة من الاكثرية الجديدة التي تثق بها وتطمئن اليها، لكنها اكثرية لا يطمئن اليها لا رئيس الجمهورية ولا رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي لأنها هي التي تحكم ومن يعارضها سيُتهم بتعطيل عمل الدولة ومصالح المواطنين، ولم يعد رئيس الحكومة بالتالي هو الذي يملك وحده حق تقرير مصير الحكومة بتقديم استقالته، بل ان هذا الحق بات ايضا لثلث عدد الوزراء اذا ما استقال منها، كما لم يعد في استطاعة رئيس الجمهورية تأمين تصويت الاكثرية على المواضيع التي تهمه اذا لم تكن مقبولة من الاكثرية الوزارية، وهو وضع لم يكن سائدا في الماضي لأن رئيس الجمهورية غالبا ما تكون له أكثرية مرجحة في مجلس الوزراء وكذلك في مجلس النواب، ولم يعد كما هو حاليا محكوما ليس من الاكثرية الوزارية بل من "الثلث المعطل" الذي سمّي "الثلث الضامن" لهضمه.
لذلك يرى بعض رجال القانون أن يعاد النظر في صيغة الفقرة "ب" من المادة 69 من الدستور لأنها تعطي ثلث عدد أعضاء الحكومة حق تقرير مصيرها في حال استقال أكثر من الثلث، ولا يعود هذا الحق محصورا برئيس الحكومة، بل ينبغي ان يقال في نص جديد إنه في حال تعذر على رئيس الحكومة تعيين بدائل من الوزراء المستقيلين تعتبر الحكومة عندئذ مستقيلة، لا ان تصبح مستقيلة حكما لمجرد استقالتهم.
ومع التوصل الى اتفاق على صيغة جديدة لهذه الفقرة من المادة المذكورة آنفا، ينبغي الاتفاق ايضا على تحديد مهلة للرئيس المكلف كي يؤلف الحكومة لا أن تبقى المهلة مفتوحة والازمة الوزارية مفتوحة ايضا الى أجل غير معروف.
الواقع أن دستور الطائف عندما أعطى أكثر من ثلث عدد الوزراء حق تطيير الحكومة اذا ما استقال، فلأن بهذه الاستقالة تفقد الحكومة صفتها الميثاقية، وقدرتها على عقد جلسة لمجلس الوزراء، ولا يعود يتوافر فيها النصاب القانوني وهو بموجب الدستور ثلثا عدد الوزراء المحدد في مرسوم تشكيلها، ولم يكن يخطر في بال المشترع ان يصبح هذا الثلث ثلثاً معطلا لاتخاذ القرارات ولا سيما منها المهمة، وثلثا مقررا مصير الحكومة ايضا ومعطلا حتى جلسات مجلس الوزراء بتغيبه عنها، لا بل متحكما بجدول أعمال هذه الجلسات الذي تعده رئاسة مجلس الوزراء وتطلع رئيس الجمهورية عليه، إذ إن في استطاعة ثلث عدد الوزراء أن يهدد بالتغيب عن الجلسة للحؤول دون اكتمال النصاب فيها اذا كان في الجدول مواضيع لا يريد وزراء هذا الثلث طرحها في الجلسة أو لم تدرج في الجدول مواضيع تهم هؤلاء الوزراء.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فان لقاءات الطائف كانت تبحث عن معالجة لخلافات تحصل غالبا بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المكلف عند تأليف الحكومات ولم يكن في الحسبان احتمال انتقال هذا الخلاف الى رؤساء الاحزاب والكتل الذين يشاركون، كما هو حاصل اليوم بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية في عملية التشكيل، والتنافس على الحصة التي تشكل الثلث المعطل للقرارات ولجلسات مجلس الوزراء ولمصير الحكومة... وليت هذا الخلاف ظل محصورا بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، او بين قوى 8 و14 آذار، بل بات داخل قوى 8 آذار والخط السياسي الواحد وحتى مَن بين هذه القوى تكون له حصة الثلث ليتحكم برئيس الجمهورية وبرئيس الحكومة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك