بقي مصير الشبان الإستونيين السبعة، الذين تعرضوا للخطف بعد ظهر أمس الأول على طريق المدينة الصناعية في زحلة مجهولاً، رغم الاستنفار الأمني اللبناني عبر كل القطعات العسكرية التابعة للجيش اللبناني ولقوى الأمن الداخلي في المنطقة. وتسريعاً لعمليات البحث، كلف النائب العام الاستئنافي في البقاع القاضي فريد كلاس الشرطة القضائية في البقاع بإجراء التحقيقات الأولية في حادثة الخطف، مسطّراً بلاغ بحث وتحر إلى الشرطة القضائية للبحث عن الفاعلين والمحرضين، ومعرفة هويتهم وكشفهم وسوقهم إلى دائرته.
كما استقبل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان قنصل إستونيا في لبنان سامي قاموع، وتناول معه الإجراءات الأمنية المتخذة من السلطات اللبنانية المعنية لكشف الخاطفين. وتابع قاموع التطورات الأمنية والمعلومات عن عملية الخطف، مجرياً اتصالات شملت بعض مسؤولي الأجهزة الأمنية. كما التقى بالعميد شارل عطا. وأكد قاموع أن «عائلات المختطفين تتابع كل التفاصيل المتعلقة بعملية الخطف بكثير من الخوف والقلق على أبنائها»، متحدثاً عن «اتصالات مفتوحة بين لبنان وإستونيا لمتابعة القضية». ووجه قاموع نداء إلى جميع السفراء والقناصل في لبنان، طالباً منهم المساعدة بكل الإمكانات المتاحة لديهم لكشف مصير المختطفين، ودعاهم إلى الاتصال به على رقم الهاتف 810444/03.
كما اتصل وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال علي الشامي بنظيره الإستوني أورماس بايت، حيث أكد الوزير الشامي أن «السلطات اللبنانية المختصة قامت منذ الدقائق الأولى من عملية الخطف ببذل كل الجهود، وهي لا تزال تواصل جهدها من أجل الكشف عن مصير المختطفين»، مؤكداً «تضامن لبنان حكومة وشعباً مع أهالي السياح السبعة»، مشدداً على «حرص الحكومة اللبنانية على ضمان سلامة السياح وتأمين عودتهم سالمين إلى بلدهم». وأعلن بايت أن «لجنة خاصة لمواجهة الأزمات شكلت للتعامل مع الحادث».
وأشار بايت (أ.ف.ب.) إلى أن بلاده سترسل دبلوماسيا من بروكسل إلى لبنان للمتابعة، مؤكداً أن المختطفين «جميعا رجال، ويعملون في قطاعات مختلفة وكانوا يشاركون معا في رحلة سياحية على الدراجة». إلا أنه رفض الكشف عن هوياتهم وأعمارهم. وأحد السائحين المخطوفين هو مارتن متسبالو، ابن رئيس دائرة التكنولوجيا الحيوية في «جامعة تارتو الإستونية». وقال والده: «ليست لدي أخبار عن ابني منذ ظهر الأربعاء. لقد ذهب للقيام برحلة على الدراجة في لبنان لكني لا أعرف مع من». والمختطف الثاني هو أندريه بوك كشف عن اسمه أحد أصدقائه، الذي أوضح أن «هاتف اندريه توقف بعد الاربعاء». والدراج الثالث هو جان جاغوماجي، عرفت عنه «شركة ريجيو الاستونية»، التي يعمل فيها والمتخصصة في برامج المعلوماتية الجغرافية.
وانهمكت الأجهزة الأمنية والعسكرية بعمليات بحث وتحر واستطلاعات، شاركت فيها مروحيات تابعة للجيش اللبناني، وشملت المناطق الجردية في قرى البقاع الشرقي من كفرزبد، وقوسايا، وطريق دير زنون، وبر الياس، ومحيط بلدة عنجر، إضافة إلى أعالي مناطق سلسلة جبال لبنان الشرقية المحاذية للحدود اللبنانية – السورية. وتخلل البحث درس وتحليل لكل أفلام كاميرات المراقبة المنتشرة على طول الطريق الدولية برالياس - المصنع، إلا أنه لم يتم العثور على المخطوفين، أو تحديد أماكن خطفهم، والجهة التي خطفتهم.
الخيط الوحيد لعملية الخطف هو ما أدلى به شهود عيان حول عملية الخطف، التي تمت من قبل ملثمين مسلحين كانوا داخل فانين وسيارة مرسيدس ذات لون داكن. وأفاد أحد الشهود لدى القوى الأمنية عن مشاهدته سيارات الخاطفين تتوجه من مكان عملية الخطف باتجاه منطقة الفاعور، وقبل وصولها إلى حاجز للجيش اللبناني عند مثلث منطقة الفاعور، بحوالى كيلومترين، سلك الخاطفون طريقا فرعية تؤدي إلى طريق دير زنون الرئيسية، ومن ثم اتجهوا نحو طريق المصنع عبر مفرق دير زنون - بر الياس، حيث التقطت إحدى كاميرات المراقبة التابعة لمؤسسة تجارية صوراً تظهر الفانين والسيارة تتجه صعوداً نحو المصنع اللبناني. كما أشارت مصادر أمنية إلى صورة أخرى التقطت لسيارات الخاطفين وهي تعبر مفرق راشيا.
وفي ظل غياب المعلومات والإحداثيات عن عملية الخطف وعدم وجود موقوفين، مع انقطاع تام للأخبار، أورد مصدر أمني أن «الفرضية الأكبر والأوسع لعملية الخطف، تتجه صوب المنظمات الفلسطينية، لا سيما أن السيارات التي استعملت في عملية الخطف، تتطابق عليها أوصاف بعض السيارات الموجودة عند تلك المنظمات»، أو ما أسماه بـ»فلول جبهة النضال، التي انضوت تحت لواء الجبهة الشعبية - القيادة العامة»، التي قد تكون، وفق المصدر الأمني، «قامت بعملية الخطف بقرار خارجي».
وتحدثت مصادر أمنية عن «احتراف وإرهاب كبير في عملية الخطف، التي كانت مرصودة من الخاطفين. وهي جهة منظمة بشكل كبير. وكانت ترسم طريق الهروب والابتعاد بالمخطوفين بشكل يجنبها التلاقي مع حواجز الجيش اللبناني». وربطت مصادر أمنية أخرى عملية الخطف بـ»منظمات فلسطينية»، مشيرة إلى أن «المخطوفين باتوا خارج منطقة البقاع الأوسط. والخاطفون ينتظرون الوصول إلى مكان آمن للإعلان عن هويتهم ومطالبهم». ولفتت المصادر إلى أن «الخاطفين يعرفون المنطقة جيداً من خلال سلوكهم طرقاً فرعية أبقتهم بعيدين عن حواجز الجيش، الذي كان قد نفذ انتشاراً معززاً على طول الطرق الرئيسية في محيط منطقة البقاع الشرقي، حيث تتركز المواقع الفلسطينية.
وأطلق العنان للفرضيات والتكهنات التي حددت كل واحدة منها الجهة الخاطفة وفق توجهها السياسي. وتركزت حول أدوار محتملة لمنظمات فلسطينية أو أصولية. وكانت فصيلة درك زحلة قد واصلت تحقيقاتها لمعرفة مصير الإستونيين السبعة، بإشراف قائد منطقة البقاع الإقليمية العميد شارل عطا، مستمعة إلى العديد من الشهود، الذين قدموا بعض المعلومات حول سيارات الخاطفين. إلا أنه مقابل التكهنات، فرضت بعض الوقائع أمس، بعض الدلائل أبرزها غياب أي دليل أو تصور أمني حول الجهة الخاطفة، بدليل إحجام تلك الأجهزة عن القيام بأي مداهمة، إضافة إلى أن الأجهزة الأمنية والجيش على يقين بأن عملية دخول الخاطفين إلى مواقع المنظمات الفلسطينية ليست سهلة في ظل انتشار الجيش، الذي يحيط بكل مداخل تلك المواقع من البقاع الشرقي إلى آخر البقاع الغربي وراشيا. وكانت «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة»، قد أصدرت بيانا أمس، نفت فيه وجود المخطوفين لديها، مؤكدة «بذل جهودها وتعاونها من دون تحفظ أو تردد للكشف عن مصير هؤلاء الأجانب، بالتنسيق والتعاون مع الأجهزة الأمنية والجيش اللبناني».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك