لعلّ من المفارقات المضحكة في الهوشة الإعلامية التي تلت سقوط الحكومة، والتي تناولت قضية تنظيم العمل الداخلي لقوى 14 آذار، أنّ هذه "الهوشة" قد ابتلعها النسيان من دون أن يقرأ أحد صلاة الميت على روح التنظيم الداخلي.
وهذا التنظيم الداخلي الذي تحرّكت الحمية لدى بعض فرقاء 14 آذار للقيام به تمهيدا لتحمّل مسؤولية المواجهة مع حكومة حزب الله وسوريا، عاد وخفت بعد اجتماعات يتيمة، إلى درجة أنّ الكلام عليه لم يعد يتعدّى التعبير عن الإخفاق ببعض الابتسامات الساخرة والتعليقات اللاذعة.
ولقد كان حزب الكتائب المكوّن الأكثر حماسة لتنظيم 14 آذار ولتركيب قيادة جماعية تتخذ القرارات بالتشاور، وكان الحزب يريد من هذا التنظيم إعادة تركيب الأمانة العامة وحصر عملها بالشؤون الإدارية، ومنها، على سبيل المثال، تكليف فارس سعيد وسمير فرنجية شراء القرطاسية وتوقيع جدول المواعيد والجلوس على السنترال لتنظيم اللقاءات بين قوى 14 آذار، وإذا لم يقبلا ذلك، يفترض أن يخضعا لآلية المداورة وتداول السلطة في المنسّقية السعيدة، بحيث تتولّى الكتائب والقوات والمستقبل ترؤسها دوريا، ويتم إلزام الأمانة العامة عدم إطلاق المواقف إلا بعد التشاور بين كل المكوّنات.
وكما بات معلوما، فإنّ حزب الكتائب اصطدم بحلفائه في موضوع التنظيم، إذ رفضت القوات والمستقبل التضحية بفارس سعيد على مذبح المداورة، وعلق التنظيم في شرنقة الإطاحة به، فلا القيادة الجماعية شُكِّلت، ولا الكتلة النيابية تبلورت، ذلك على رغم أنّ النائب بطرس حرب قدّم تصورا جديدا لتنظيم كتلة 14 آذار النيابية، نوقش في جلسات مطوّلة.
ويبقى السؤال: هل ما زال الكلام ممكنا على إعادة إطلاق الورشة التنظيمية لقوى 14 آذار؟ وهل إنّ هذا التوجه ما زال يشكل أولوية، في ظلّ ما تشهده المنطقة، وفي ظلّ التطورات الداخلية المتسارعة التي تملي تفعيل المعارضة، والتي توجب الاستعداد لمرحلة طويلة من المواجهة مع حكومة تتطلب مواجهتها أقصى درجات الفعالية والجدية في الممارسة؟
الأكثر وضوحا وإلحاحا بالنسبة إلى جمهور 14 آذار، بات يتعلّق بتفعيل عمل هذه القوى، وبتركيز هذا التفعيل باتجاه إسقاط الحكومة، والاستعداد لمواجهتها في قضيتي السلاح والمحكمة. لكنّ الأوضح أنّ هذا التفعيل يمرّ حكما بالتنظيم الحديدي لهيكلية 14 آذار في ظلّ إصرار الكتائب من جهة، وباقي المكوّنات من جهة ثانية، على البقاء في المواقع التي أدّت إلى فشل التنظيم، وستبقى الأمانة العامة بوضعها الحالي، انتظارا لتحقيق بعض الأهداف التي يعتقد بعضهم في 14 آذار أنها ستتحقق في الأمد القريب، وعندها قد لا يكون مستبعدا أن تقوم الأمانة العامة بحلّ نفسها بنفسها من دون انتظار حزب الكتائب الذي يريد أن ينجز المهمة بنفسه، وقد يصدر بيان حلّ الأمانة العامة بسطر واحد، كما حلّت الحركة الوطنية، وقد يكون ببيان لا يحتوي إلا على فاصلة، أو نقطة على السطر... لكنّ هذه الأمانة لن يتم حلها قبل تحقيق أهداف 14 آذار 2005، وهذا الحلّ لن يكون سوى الترجمة العملية لنهاية وظيفة 14 آذار، وللانطلاق إلى فضاء جديد لا مكان فيه لموقع المنسّق العام ولا لمن يريدون منافسته على هذا التنسيق.
عندما زار أيمن نور الأمانة العامة مستطلعا حركة قوى 14 آذار، وناشرا الخبرات التي اكتسبتها الأمانة في التنسيق بين هذه القوى، للاستفادة منها في التنسيق بين مكوّنات الثورة المصرية، قيل له إن الأمانة العامّة ليست كيانا مقوننا، بل هي مجموع مساهمات كل قوى 14 آذار، فتقدر قوة المساهمة أن تترجم قوة الحضور، وهذه قاعدة لا يمكن للحظة الآنية أن تحكم على صوابيتها، والأفضل ان تترك للتاريخ لكي يدوّن بدقة كل مسار هذه الثورة من 14 آذار 2005 إلى أن تحقق آخر أهدافها.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك