ليست مشكلة اللجنة الفرعية لقانون الانتخاب في مكان آمن لالتئامها ـ حلّها الرئيس نبيه برّي ـ بل في رغبة آمنة في التوصّل إلى قانون جديد أو تعديل قانون 2008، لن يسع رئيس المجلس استنباطها بين فريقين لا يريد كل منهما من الانتخابات سوى الخروج بأكثرية تكسر الآخر
قبل أقل من أسبوع لانعقادها، ليس أمام اللجنة الفرعية المكلفة مناقشة قانون الانتخاب سوى متابعة البحث حيث توقفت في اجتماعيها الأخيرين، الوحيدين، في 16 تشرين الأول 2012 و18 منه قبل أن تتوقف مذ ذاك عن الالتئام، مكلفة درس بندين في قانون الانتخاب هما نظام التصويت وتقسيم الدوائر. في اجتماعيها هذين اكتفت اللجنة بتأكيد الخلاف دونما إحراز تقدم في مهمتها. منذ ذلك الوقت، لا يزال الجدل يدور حول نفسه خارج أعمال اللجنة بين الفريقين اللذين يمثلانها، قوى 8 و14 آذار. كلّ منهما يقول ما يرفضه، ويعجز عن فرض ما يريده. بذلك حدّد الاجتماعان الأولان مسار اللجنة الفرعية ووضعا في طريقه، في الوقت ذاته، العراقيل.
تتمسّك الموالاة بما ترفضه المعارضة، وهو مشروع النسبية الذي تقدّمت به حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وتصرّ المعارضة على ما ترفضه الموالاة، وهو الدوائر الصغرى الـ50. هكذا سلّم كل من قوى 8 و14 آذار بامتلاك الآخر فيتو رفض مشروعه، ومقدرته على منعه أيضاً من فرض خياره عليه. يلتقيان، في الظاهر على الأقل، على فيتو آخر هو معارضتهما إجراء انتخابات 2013 وفق قانون 2008. لكنّهما يتمسّكان بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، أياً يكن القانون النافذ. لم يعد أحد يسعه التفريق بين ما يرفضانه وما يصرّان عليه.
على نحو كهذا يذهب ممثلو 8 و14 آذار إلى الاجتماع الثالث للجنة الفرعية في 8 كانون الثاني من دون توقعات حقيقية. يقتصر التفاؤل على اجتماعهم ليس إلا، بلا جدول أعمال يخوضون فيه جدياً. لا مشروع قانون الحكومة، ولا اقتراح الدوائر الصغرى، ولا اقتراح اللقاء الأرثوذكسي تبعاً للمواقف المعلنة.
لم يعد وضع قانون جديد للانتخاب هو الهدف، بل سبل الوصول إلى انتخابات 2013 وإجراؤها بتوافق الحدّ الأدنى على القانون النافذ لتفادي أي حجج بتأجيلها وتمديد ولاية البرلمان الحالي الذي تنتهي في 20 حزيران 2013.
يضع ذلك مأزق قانون الانتخاب في بضعة معطيات منها:
1 ـ يتمسّك رئيس الجمهورية ميشال سليمان بإجراء الانتخابات في موعدها. كان ذلك جوابه قبل الأعياد لسفير أوروبي بارز سأله ـــ بنبرة مشككة ـــ هل ستُجرى في موعدها. ردّ بالجزم. إلا أن سليمان مصرّ في المقابل على مشروع النسبية الذي يقاربه على أنه مشروعه هو، ولا يضعه عقبة في طريق الانتخابات. يقول لسائليه إنه سيظلّ ينادي بالنسبية وإن حيل دون تحقيقها. مغزى هذا التلازم أولوية الانتخابات على القانون بما في ذلك استمرار نفاذ قانون 2008 من جراء تعذّر الاتفاق على مشروع النسبية.
2 ــ بدوره رئيس الحكومة يتمسّك بمشروع النسبية الذي أقرّته حكومته مع مرونة تقضي برفع دوائره من 13 دائرة إلى 15 دائرة. بيد أنه يميل أيضاً إلى مشروع لجنة الوزير السابق فؤاد بطرس باعتماده نظامي التصويت، المطابق لصيغة كان قد اقترحها ميقاتي قبله تعتمد بدورها آليتي اقتراع نسبي وأكثري في آن واحد.
3 ـ يبدو رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط أكثر وضوحاً من قوى 8 و14 آذار في ما يرفضه وما يتمسّك به. ينبذ النسبية لأنه يجدها تستفزّ السنّة وتيّار المستقبل، ولا يؤيد الدوائر الصغرى. لا يريد أن يكسر أياً من الطرفين من دون أن يحسبه أحدهما عليه. وهو بذلك، أبعد من قانون الانتخاب وانتخابات 2013، يوازن بين موقف خارجي متشدّد في عدائه لسوريا وإيران وآخر داخلي يراعي سلاح حزب الله ويبرّر وجوده ويتعلّق بالحوار الوطني وببقاء حكومة ميقاتي.
ووفق ما تتداوله أوساط معنية بالجهود المبذولة لتحقيق توافق على قانون الانتخاب، تلقى جنبلاط عرضاً من رئيس الحكومة توخى تليين موقفه من النسبية قال بوضع مقعد درزي واحد في دوائر التصويت النسبي يكون في نهاية المطاف في حصة جنبلاط، وبأكثر من مقعد في دوائر التصويت الأكثري في الغالب يفوز بمقاعدها. لم يُبدِ الزعيم الدرزي حماسة للعرض.
4 ـــ خلافاً للأفرقاء الآخرين، يغالي حزب الله في رفض قانون 2008 عندما يعدّه «مشروع حرب» ويؤكد معارضة قاطعة لإجراء الانتخابات النيابية على أساسه. وشأن ما تطمح إليه قوى 14 آذار بتأييدها الضمني قانون 2008، يعتبر الحزب أنه يؤول إلى انتزاع الغالبية النيابية منه ويضعها في خصومه، ويمكّن المعارضة في انتخابات 2013 من الحصول على 62 نائباً في حدّ أدنى من دون حاجتها إلى تحالف جنبلاط معها، لا يعوزها إذ ذاك بذل جهد غير منهك لبلوغ الأكثرية المطلقة التي تضع حكم لبنان، في تقدير حزب الله، بين يدي قوى 14 آذار.
5 ـــ رغم الاعتقاد بأن الانتخابات واقعة في 9 حزيران، إلا أن أحداً من طرفي النزاع لا يستبعد تأجيلها من غير الخوض في ذرائعه. إلا أن أحداً منهما لا يسعه تحمّل وزر المطالبة بتمديد ولاية البرلمان إلى ما بعد الاتفاق على قانون جديد للانتخاب.
6 ـــ بعيداً من الأضواء يجري تبادل اقتراحات وصل صداها إلى برّي وميقاتي وجنبلاط تقول بتعديل قانون 2008 ومحاولة تجميله، على نحو يسهل معه تحقيق توافق الحدّ الأدنى استناداً إلى أربع قواعد:
أولاها، تحسين التمثيل المسيحي بإعادة النظر في تقسيم بعض الدوائر بما يقلّل من كثافة اقتراع ناخبين غير مسيحيين في حسم مقاعد مسيحية. في أحسن الأحوال إعطاء جدوى للصوت المسيحي في دوائر لا يعطل تقسيمها فاعلية الناخب غير المسيحي، شأن تقسيم عكّار دائرتين إحداهما مسيحية، إلا أن الصوت السنّي يظلّ فيها يرجح نتائج الاقتراع.
ثانيتها، تقسيم للدوائر يؤدي إلى مساواة بين نائب ونائب فلا يُنتخب أحدهما بـ120 ألف صوت والآخر بعشرة الآف صوت وأحياناً أقل، وبين ناخب وناخب فلا ينتخب أحدهما نائبين والآخر عشرة نواب.
ثالثتها، تقسيم الدوائر إلى 34 دائرة يراوح عدد نواب كل منها بين ثلاثة وخمسة نواب، بحيث يشمل التقسيم معظم الدوائر.
رابعتها، نقل مقاعد من دوائر يقلّ فيها ناخبو طائفتها المخصص لها إلى دوائر تفتقر إلى عدالة في توزيع المقاعد عليها نظراً إلى كثافة ناخبيها. هي حال مقاعد ضائعة بلا ناخبي طائفتها كالماروني في طرابلس، والدرزي في بيروت، والسنّي في بعلبك ـ الهرمل.
7 ـــ لن يكون من السهل إقناع قوى 8 و14 آذار بالموافقة على إعادة تقسيم كان قد تطلّب عناءً مضنياً في مفاوضات الدوحة في أيار 2008 من أجل التوصل إلى خريطة انتخابية رضي بها الطرفان، إلا أنها أدخلت العاصمة القطرية في الأحياء الداخلية لبيروت الثانية قبل رسو التفاهم عليها. يبدو الأمر أكثر تعقيداً اليوم بعدما خبر فريقا 8 و14 آذار قانون 2008 المنبثق من اتفاق الدوحة، وهو آخر ما بقي من الاتفاق. أفضت انتخابات 2009 إلى ترجيح كفة قوى 14 آذار متحالفة مع جنبلاط على خصومها.
لكن الفريقين تسابقا إلى انتزاع الغالبية النيابية: قوى 14 آذار آخذة بنتائج انتخابات 2009 بفضل تحالف جنبلاط معها، وقوى8 آذار بانقلابها على نتائج انتخابات 2009 بفضل تحالف جنبلاط معها أيضاً.
على أن التداول الدائر في الأوساط المطلعة على مواقف سليمان وجنبلاط وميقاتي هو سبل التوصّل إلى قانون للانتخاب، عبر قانون 2008 أو بسواه، يحيل قوى 8 و14 آذار أقليتين كبيرتين. لا تملك إحداهما الغالبية، ولا السيطرة على الحكم، ولا المغالاة في أحلام الاستئثار بتأليف حكومة الفريق الواحد. لا يزيد عدد نوابهما معاً على 112 نائباً، وكتلتاهما تقل كل منهما عن 60 نائباً.
بينهما تقيم أقلية ثالثة صغيرة، تمسي في واقع الحال أقوى منهما معاً، لأنها تحول دون حصول أي من القوتين الأخريين على الأكثرية المطلقة.
في هذا الخيار قد تكمن، ربّما، مهمة شبه مستحيلة للجنة الفرعية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك