رغم الوقت الذي استغرقته النقاشات "الطائرة" بين المقرات الرسمية لايجاد توليفة "آمنة" تقي نواب 14 آذار من الاغتيال المحتمل، ورغم ايحاء المعارضة بانها تنازلت كثيرا كي تتراجع عن قرارها بمقاطعة الحكومة عبر القبول مجددا بدخول عتبة مجلس النواب لمناقشة قانون الانتخاب ومن ثم المشاركة في اقراره في الجمعية العامة، فإنّ هذه الجهود كلّها لا تلغي الاساس.
باعتراف نواب في اللجنة الفرعية، المفترض انها سترفع تقريرا بحسم مسألتي نظام التصويت الانتخابي وتوزيع الدوائر الى اللجان المشتركة ثم الهيئة العامة، اجتماع يوم الثلاثاء وما سيليه من اجتماعات ليس سوى مجرد "ديكور" لطبخة تعدّ خارج جدران المجلس.
يفرض المنطق طرح سؤال بديهي: ما الذي سيتغيّر داخل اللجنة الفرعيّة المعنيّة درس قانون الانتخاب لتنجح بما سبق ان فشل النواب سابقا، وعلى مدى اشهر، في تحقيقه. ستتطاحن الرؤوس، على الارجح، في ما يشبه "برج بابل" نيابي. تتمسّك الاكثريّة بمشروع الحكومة على أساس النسبيّة وإلا مشروع "اللقاء الارثوذكسي"، وفريق 14 آذار بمشروع الدوائر المصغّرة والا "قانون الستين" مواربة وليس بالقول.
بتأكيد المعلومات، كان ثمة اصرار من جانب الرئيس نبيه بري على اعادة الحياة الى اجتماعات اللجان الانتخابية حتى لو شكلا. لم يكن الرئيس بري يريد ان تسجّل المعارضة خرقا سياسيا في ملعبه يتمثل في عزل ساحة النجمة وادخالها عصر المقاطعة.
عاد "المكشّرون" الى المجلس النيابي بضمانات امنية تمثّلت في تأمين حماية الحدّ الاقصى لهم، لكن العمل الفعلي يتمّ بين عين التينة وقصر بعبدا وفردان والضاحية والرابية والمختارة. وتنحصر الخيارات بين احتمالين: اما فؤاد بطرس معدلا، واما قانون الستين معدّلا. وفي الحالتين الهدف تطمين وليد جنبلاط الذي تخوض قوى الاكثرية حاليا "حرب" استعادته الى جانبها في الانتخابات المقبلة من ضمن "تسوية سياسية" يقال انها تعدّ في الغرف المغلقة وهي مفصولة تماما عن الواقع السياسي الذي قد تفرضه الازمة في سوريا مع اقرار الجميع، موالاة ومعارضة، بان الملف الدمشقي لن يدخل مرحلة الحسم قبل صيف 2013.
لكن طبعا لن يكون الهدف من "تجميل" قانون الدوحة 2008 ارضاء البيك الدرزي فقط، انما نقل مقاعد بما يتيح "تحرير" الصوت المسيحي في بعض المناطق من القبضة الاسلامية. هذا مع العلم، بان قوى الاكثرية باتت في حكم المتيقّنة بان جنبلاط قد يتجاوز عقدة النسبية ويتخلى عن "كنز الستين" عبر اقرار اي صيغة انتخابية (الارجح النظام المختلط) تضمن عدم "قصقصة" جوانح كتلته النيابية واستطرادا زعامته الدرزية.
ما بات مؤكدا حتى الان، وما لم تطرأ ظروف قاهرة، بان الانتخابات في موعدها. هذا ما يقوله صراحة الرؤساء الثلاثة ويشدّدون عليه امام زوارهم الاجانب والعرب. لكن الروائح المنبعثة من غرف القرارات تشي بان الاتجاه الاهم من القانون نفسه هو محاولة ايجاد ملعب انتخابي في الصيف النيابي المقبل يشبه حكومة "النأي بالنفس". قوتان متوازنتان في الخيارات السياسية تضبطهما كتلة وسطيّة نيابيّة همّها الاول حماية الداخل، سياسيّاً وأمنيّاً، الى حين مرور الاعصار السوري على خير.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك