الجمهورية
لم يكن مفاجئا هبوط القرار الاتهامي، لا توقيتا ولا مضمونا ولا ردّات فِعل، سواء من جانب "حزب الله" او من جانب فريق 14 آذار.
"الحزب" يعتبر نفسه غير معني بالقرار أو بالمحكمة الدولية، وكذلك 14 آذار، فقد سارع الرئيس سعد الحريري الى خطاب هادئ ومسؤول، وبادر الدكتور سمير جعجع الى دعوة القواعد والمناصرين وذوي الشهداء الى التزام الهدوء التام وعدم الانفعال، إفساحا في المجال للمسار القانوني كي يأخذ طريقه في شكل طبيعي.
ويبقى انتظار سلوك السلطة السياسية التي تعود اليها مواكبة هذا القرار فعلا، وليس فقط الاكتفاء بالصياغة اللغوية الملتبسة التي خرج بها البيان الوزاري، في اللحظات عينها التي كان فيها القرار يبصر النور في مكتب المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا.
14 آذار: تحرّك تصاعدي
مَنعا لأيّ استغلال سياسي، ستواكب 14 آذار آليات القرار الاتهامي والمحكمة بأسلوب سلمي، لكنه حازم وتصاعدي، أي وفقا لما يقتضيه القانون، وصولا الى إسقاط الحكومة و"إعادة الشرعية الى موقعها الانتخابي". لكنّ 14 آذار، ومن دون شك، استعادت عضلات زرع الثقة في مناصريها وذوي الشهداء، تحت عنوان: انتهاء مرحلة الافلات من العقاب.
خياران امام السلطة
انه المحك الاساسي بعد صدور القرار الاتهامي: كيف ستتصرف السلطة من خلال أجهزتها المعنية إزاء هذا الملف، بدءا من عمليات التوقيف والجلب التي تبلّغها القاضي ميرزا؟ المصادر القضائية المعنية ترى ان هناك خيارين متاحين امام السلطة:
1 - أن يعلن مجلس الوزراء ان لبنان يرفض تنفيذ القرار باعتباره مشكوكا فيه، أو لأنه يستهدف المقاومة، وهذا ما حاولت صيغة البيان الوزاري ان توحي به من خلال عبارتي: "الانتقام والتسييس" والمس بـ "الاستقرار".
في هذه الحال، لا يستطيع المدعي العام التمييزي تكليف الاجهزة الامنية توقيف المعنيين وجلبهم الى المحاكمة. ويكون رَدّ فعل المحكمة بعد مرور مهلة الـ 30 يوما إبلاغ مجلس الامن بتمنّع لبنان عن تنفيذ قرار دولي، يقع تحت الفصل السابع. وهذا يعني وقوع تصادم بين لبنان والمجتمع الدولي.
2 - ان يترك مجلس الوزراء مذكرات التوقيف تسلك آلياتها القانونية في شكل طبيعي. وهذا الأمر يريح لبنان من عناء المواجهة مع المجتمع الدولي، ويثبت التزام حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بوعودها في هذا الشأن.
لكنّ مذكرات التوقيف ستبحث عن مطلوبين لا يعلم احد أمكنة وجودهم، وعلى الارجح ستعود بعبارة "تعذّر إبلاغهم"، وفقا لما أوردته مصادر معنية لـ "الجمهورية".
وعلى هذا الاساس، وفي ظلّ إعلان "النيّات الحسنة" من جانب تحالف الأكثرية الحكومية، تتم الدعوة الى محاكمة غيابية للمتهمين، فيتكشف ما أمكن من خلفيات عمليات الاغتيال المتتالية على مدى سنوات، علما بأن المعلومات تؤشر الى دفعات وأسماء متعاقبة سيتضمنها القرار الاتهامي، و"الخيار الاستيعابي" أو خيار "النيّات الحسنة" هو المرجح، لأنّ حلفاء سوريا في لبنان ليسوا اليوم في وارد أزمة مفتوحة مع المجتمع الدولي، و"سيتمترس" "حزب الله" خلف الحكومة وسط الظروف الإقليمية الصعبة.
حكمة في التوقيت
التسريب التدريجي لمضمون القرار الاتهامي، منذ ان نشرت "دير شبيغل" تقريرها الذي يؤشر الى ورود أسماء لعناصر من "حزب الله" فيه، أدّى مفعوله، اذ تراجعت كثيرا حدّة المواقف المتبادلة بين القوى المعنية، وخصوصا في اوساط القواعد ذات الانتماء المذهبي المختلف، وثمّة تأكيد على أن هناك حكمة لدى القيمين على المحكمة لجهة درس التوقيت الأفضل لإصدار القرار. لقد لعب هؤلاء في الخط الوسط ما بين "الوصول الى الحقيقة"، وتجنّب ان يتسبب ذلك بفتنة تطيح كل شيء.
انها الساعة، وقد دقّت بعد أعوام من الانتظار الطويل. والزلازل الذي لطالما توقّع المحللون حصوله بعد صدور القرار الاتهامي، تسمع ضوضاؤه من بعيد، فأيّ منازل ستكون مصممة وفق مقاييس مقاومة الزلازل؟!