نجح فريق "8 آذار" في استدراج الخصوم في قوى "14 آذار" إلى فخ "مشروع إيلي الفرزلي" المسمى "الاقتراح الأرثوذوكسي", فظهر الخلاف في مواقفها, وسادت حالة من الارتباك في صفوفها. ومن المتوقع أن يستكمل الفريق الأول هجومه مستفيداً من الوضعية الحالية للخصوم.
ويرى مصدر سياسي مطلع لـ"السياسة" الكويتية أن جملة عوامل ساهمت في هذه النتيجة:
أولاً: قاطعت قوى "14 آذار" الحكومة, فاتهمها الفريق الآخر بأنها تهدف لتعطيل أي نقاش بشأن قانون الانتخاب الجديد. ولكن بعودة هذه القوى إلى مجلس النواب وإلى الحوار مع فريق "8 آذار" عبر رئيس مجلس النواب نبيه بري, خسرت نقطة أولى في المعركة السياسية.
ثانياً: عندما تقدمت الحكومة بمشروعها لقانون الانتخاب مفصلاً على قياسها, لم تجد المعارضة حرجاً في الرد بالمثل بإعداد مشروع الخمسين دائرة المفصل على قياساتها الخاصة. ولم تنتبه إلى أن النائب وليد جنبلاط الذي جعل مشروع الحكومة يولد ميتاً, قادر على إجهاض مشروع "14 آذار" في المجلس النيابي.
ثالثاً: انجرفت قوى "14 آذار" كثيراً مزهوة بإنجازها, حتى إن بعض أوساطها بدأت تروج لسيناريو ما بعد الفوز بأكثرية نيابية مريحة, مثل التحكم بتشكيل الحكومة الجديدة, وانتخاب رئيس للجمهورية من صفوفها. لقد بنت حساباتها على أساس أن النظام السوري سينهار قبل نهاية العام الماضي, مفترضة أن الفريق الآخر سينهار. على الأقل هذا ما يقوله حلفاء نظام البعث في لبنان.
رابعاً: من المستغرب أن تتفاجأ قوى "14 آذار" بقوة الخصم. فلم يحتج ثلاثي "حزب الله"-"حركة أمل"-"التيار العوني", لقلب الطاولة وإعادة الخصم إلى عالم الواقع, إلا إلى اجتماع واحد صدر عنه موقف حازم برفض قانون "الستين" (الذي جرت على أساسه الانتخابات الماضية في العام 2009), بعد رفض قانون الخمسين دائرة. وهدد بتعطيل الانتخابات إذا لم يتم التوافق على قانون جديد. والحديث عن القوة لا يعني بالضرورة القوة العسكرية, فالثلاثي المذكور يملك كتلة برلمانية مساوية تقريباً لكتلة "14 آذار".
خامساً: حاك فريق "8 آذار" مؤامرة محكمة تمثلت في تبني اقتراح الفرزلي القادم من خلف الحدود, وهو يعلم أن حظوظ إقراره معدومة, في ظل رفض قوى أساسية كثيرة له. ولكن الحيلة انطلت على فريق "14 آذار", أو على الأقل قسم منها, أي حزبي "الكتائب" و"القوات". وبالتأكيد لم يكن بإمكان هذين الحزبين المناورة كي لا يقعا في الإحراج في الشارع المسيحي, وربما وافقا عليه لعلمهما أن إسقاط هذا الاقتراح المفخخ سيتم ولو عن طريق أطراف أخرى.
سادساً: إن استخدام فريق "8 آذار" للترهيب كوسيلة للعمل السياسي بدأ يعطي ثماره, ويمكن أن يتفاقم إذا لم تتدارك قوى "14 آذار" نفسها. فمقاطعة الحكومة ومن ثم طاولة الحوار التي جاءت نتيجة اغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن, أوقع هذه القوى في مأزق عدم القدرة على المناورة. وتجلى ذلك في مناقشة مشروع قانون الانتخاب, إذ كان بإمكان "القوات" و"الكتائب" بدلاً من حشر نفسيهما, إحالة الأمر إلى طاولة الحوار حيث سيسقط بضربات قوى كثيرة من خارج "14 آذار".
سابعاً: لم تنته معركة قانون الانتخاب, ويمكن القول إنها لم تبدأ جدياً. وفي جعبة "8 آذار", أو الفريق المساند لها, من مستقلين ووسطيين, مشاريع ملغومة أخرى, يتم الإعداد لها بعيداً عن الأضواء, وسيتم إخراجها فور زوال مفاعيل مناورة اقتراح الفرزلي. ولا شك أن هذا الأسبوع سيشهد فصولاً جديدة من الهجوم المضاد لفريق "8 آذار", فهل أعدت قوى "14 آذار" ما تجابه به هذا الهجوم, وتكشف في الوقت المناسب حقيقة مناورات الخصم بدلاً من الوقوع في حبائلها?
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك