جاءت حادثة الاعتداء على موكب الوزير فيصل كرامي في طرابلس، بمثابة «الشعرة التي قصمت ظهر البعير» في مدينة كانت حتى الأمس القريب تعضّ على جرحها الأمني، وتحاول أن تتجمل بشعارات السلم والاستقرار، برغم معرفتها الكاملة بأنها ليست بخير، وبأن لغة السلاح كوسيلة للتخاطب ستفرض نفسها عاجلا أم آجلا بفعل نتشار هذا السلاح بين أيدي المواطنين.
لا شك ان ما حصل مع موكب كرامي أعطى مؤشرات واضحة بأن الكل في دائرة الاستهداف، وان الهيبة السياسية والأمنية باتت على المحك، وان ما تعرض له كرامي قد يتكرر في أي وقت مع أي شخصية.
يمكن القول اليوم بأن الكل خائف في طرابلس لما ستحمله الأيام المقبلة. القيادات السياسية باتت تخشى على دورها وحضورها في طرابلس، بعدما فقدت السيطرة على الشارع وعلى المجموعات المسلحة على وجه التحديد، خصوصا ان هذه المجموعات بات لها تمويلها وتوجهاتها و«أجنداتها» التي لا تتوافق وتطلعات القيادات السياسية.
يضاف الى ذلك، خوف «تيار المستقبل» على شعبيته في المدينة التي تتقلص لمصلحة الاسلاميين، والناتجة من ايقافه المساعدات والتقديمات منذ الانتخابات النيابية الماضية، فضلا عن الهاجس الذي يعيشه «التيار الأزرق» من تنامي حركة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي كسر الحظر السعودي الذي كان يطوّقه، ومن تحالفه مع الرئيس عمر كرامي.
من جهة ثانية، يخشى الرئيسان ميقاتي وكرامي ومعهما وزراء طرابلس مما تشهده المدينة من فلتان أمني من شأنه أن يقضي على كل الجهود المبذولة للنهوض بالعاصمة الثانية.
في غضون ذلك، يخشى الاسلاميون من أمرين:
الأول: أن يؤدي الاهمال والحرمان المزمنان الى اتجاه كثير من الشباب الى مزيد من التطرف، وقيامهم بأعمال أمنية من شأنها أن تورط الحالة الاسلامية بكاملها مع أبناء طرابلس ومع الدولة.
الثاني: أن يكون النفخ الاعلامي بالاسلاميين وببعض الكوادر العاملة على الأرض مقدمة للاستئصال. من هنا جاءت بعض النصائح لعدد من القيادات الاسلامية بعد حادثة الاعتداء على موكب كرامي بضرورة الابتعاد عن الإعلام، وعن أية استفزازات للأجهزة الأمنية.
أما أبناء طرابلس، فقد باتوا يعيشون هاجسا يوميا سواء من إمكان تجدد جولات العنف في الخاصرة الرخوة المتمثلة بمناطق التبانة والقبة والمنكوبين وجبل محسن، أو من تحول مدينتهم الى مدينة خارجة على القانون بعدما بات السلاح في كل الشوارع والأحياء ولم يعد محصورا في وظيفة واحدة.
كما يعبر الطرابلسيون عن مخاوفهم من أن يؤدي انتشار هذا السلاح، وتنامي نفوذ بعض الأطراف الاسلامية التي باتت تشكل مظلة لكل من يريد الحماية، الى جرّ قسم من المدينة الى ما لا تحمد عقباه على غرار ما حصل في مخيم نهر البارد.
ومن المخاوف أيضا، خشية أبناء جبل محسن مما قد يتعرضون له، في ظل الحصار غير المعلن المفروض عليهم، وهم الذين لا يزالون يتعرضون لمختلف أنواع الاعتداءات خلال خروجهم ودخولهم الى «الجبل»، فضلا عن خوف المناطق المحيطة بجبل محسن من انتقام النظام السوري منهم بعد جولات العنف التي خاضوها منذ العام 2008.
كذلك يؤدي ذلك الى مخاوف كثيرة في صفوف الأقليات من الطوائف المسيحية الذين ما اعتادوا على هذه الفوضى المسلحة في طرابلس حتى في عز الأحداث اللبنانية.
وينسحب الخوف على تجار المدينة ومؤسساتها الاقتصادية والسياحية الذين يخيم عليهم شبح الافلاس في ظل الشلل الذي تتسبب به التوترات الأمنية التي تساهم في عزل المدينة عن محيطها، وفي إحجام أبنائها عن ممارسة حياتهم الطبيعية التي من شأنها أن تعطي الزخم المطلوب للحركة الاقتصادية عموما.
وهنا يبقى السؤال: كيف يمكن أن يكسر جدار الخوف الذي بدأ يطوّق كل مكونات المجتمع الطرابلسي، وكيف يمكن إدخال نوع من الطمأنينة الى نفوس أبناء المدينة الذين باتوا يعيشون أمنهم ساعة بساعة؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك