لم تدم الاجواء التفاؤلية بولادة الحكومة قريباً لأكثر من ساعات اذ سرعان ما تبددت بفعل استمرار ضغط العوامل الداخلية والخارجية التي حكمت مسار التأليف منذ أكثر من شهرين ، على رغم تأكيد اوساط رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي ان وتيرة المشاورات لم تتراجع غير مستبعدة ولادة للحكومة هذا الاسبوع.
فالعقد التي يرفض ميقاتي الاعتراف بوجودها لا تزال هي اياها تسيطر على المشاورات ان على محور الرابية - فردان حيث لا يزال رئيس كتلة "التغيير والاصلاح" النائب ميشال عون على تمسكه بوزارة سيادية تعكس حجم تمثيل تكتله رغم ما نجم عن هذا الموقف من خلافات بين زعماء مسيحيين بارزين، او على محور التمثيل السني ولا سيما المتعلق بمدينة طرابلس، فيما ارخت التطورات الامنية في سوريا بثقلها على مسار التشكيل بحيث تقدمت الاحداث الداخلية هناك على ما عداها من اهتمامات القيادة السورية. وفي هذا الصدد تؤكد مصادر قريبة من قوى 8 آذار ان لا اسباب اساسية للتأخير، "وليست مشكلتنا اذا كان يتعذر على الرئيس المكلف ايجاد خمسة وزراء سنة يدينون اليه بالولاء"، على ما تقول المصادر داعية الى عدم التلطي وراء ما يجري في سوريا لتبرير تأخر الولادة الحكومية لافتة الى ان دمشق اليوم منشغلة بمعالجة وضعها الداخلي، "والله يستر هؤلاء المراهنين على الانشغال السوري لتحسين مواقعهم التفاوضية لأنه في حال عودة الاوضاع الى طبيعتها واعادة امساك القيادة السورية بزمام اوضاعها الداخلية، فسيعاد رسم المشهد اللبناني على قواعد جديدة من التعامل"، وذلك في اشارة من هذه المصادر الى أكثر من فريق سياسي محلي يسعى الى استغلال انشغال القيادة السورية لاعادة تموضعه. وتخالف المصادر عينها بقراءتها هذه الانطباع الذي ساد عقب بدء الاضطرابات في سوريا بأن ثمة رغبة سورية في تأخير تشكيل الحكومة اللبنانية ريثما تتضح معالم التغيرات في المنطقة، مشيرة الى ان هذا الانطباع صح في المرحلة الاولى من تحرك الثورات الشعبية وقبل امتداده الى الداخل السوري.
في أي حال وأيا تكن القراءات المختلفة للموقف السوري من الحكومة، والعقد التي لا تزال تعترض التأليف رغم ان اوساط الرئيس المكلف تصنفها في خانة "اللمسات الاخيرة" فان مصادر سياسية ترى ان المشكلة الحقيقية كانت وستظل في الملف الاكبر والجوهري الذي أطاح حكومة الرئيس سعد الحريري وهو ملف المحكمة، "اذ لا يجوز ان نتلهى بالاسماء والحقائب والحصص وننسى لماذا اسقطت في الاساس حكومة الحريري، لأنه اعتبارا من لحظة ولادة الحكومة الجديدة ستعود عقارب الساعة الى حيث توقفت عند سقوط الحريري في الانقلاب الدستوري لاستكمال مراحله والخطوات المواكبة له: شهود الزور والقرار الظني واسقاط المحكمة عبر تجميد بروتوكول التعاون مع الامم المتحدة ووقف التمويل. وهذا بدوره سيتطلب من رئيس الحكومة المقبلة بدء تطبيق الوعود التي قطعها لفريق الاكثرية الجديدة الذي اختاره لرئاستها. وهذا الفريق الذي يقوده فعليا "حزب الله" ابدى بحسب المصادر عينها مرونة كبيرة في التعامل مع الوضع الحكومي وابداء ليونة حيال اللهجة التصعيدية ضد سلاح الحزب من رئيس تيار "المستقبل" ليس لسبب الا لاعطاء الوقت الكافي لاحتواء الانقلاب وامتصاص مفاعيله، بحيث تأتي الحكومة بحد أدنى من القبول والاستيعاب لها. لكن الحزب لم يعد يلتقي مع الرئيس المكلف على الاعتقاد بأن الوقت هو لمصلحته وخصوصا ان ما يحصل في سوريا يربكه ويضيق هامش المناورة عليه.
واللافت ان الأكثرية الجديدة التي اجمعت على تسمية ميقاتي رئيسا للحكومة لاستكمال تنفيذ اجندتها باتت قاب قوسين من اعادة النظر في آليات تنفيذ تلك الاجندة على ما تقول مصادرها، على وقع تغير المشهد الاقليمي فما كان يصح قبل ثورة مصر وما تلاها لم يعد مضمون النتائج اليوم.
وما يفوت الرئيس المكلف بحسب المصادر، ان تأخر الحكومة من شأنه ان يعيد رسم توازنات المشهد الداخلي على وقع تغيره اقليميا، خصوصا بعد استعادة مشهد خطف الاجانب او تفجير الكنائس مما ينذر بتسليط الاضواء على مكان آخر.
والاسئلة التي باتت تطرح في اوساط الاكثرية الجديدة ولا سيما بعد تمايز المواقف بين الرئيس المكلف وبعض حلفائه من المواضيع المطروحة: هل سينفذ الرئيس المكلف التزاماته حيال تجميد المحكمة؟ وما هو تصوره للحلول التي يقول انه يملكها لهذا الملف الجوهري الذي وضع اللبنانيين في اصطفافين متوازيين لا يمكن ان يلتقيا، واذا لم يكن يملك فعلا مثل هذا التصور الذي يدعوه الى التريث والتروي فما هي الجدوى من توليه تشكيل الحكومة؟
هل بلغت الامور بالاكثرية هذا الحد او ان الافكار غير البريئة التي تروج لها بعض أوساطها ليست الا رداً للكرة الى ملعب ميقاتي الذي يمارس في رأي هذا الفريق لعبة الضغط على حلفائه ويسعى للحفاظ على صورته "الوسطية" وموقعه في نادي رؤساء الحكومة، الى تركيب تشكيلة يبرز فيها على انه هو من يشكل وان ينجح في الوقت عينه في ارضاء المجتمع الدولي بحيث يكون الترحيب بها فوراً من دون ان يخسر فعلا لدى الفريق الذي شكل معه في ما مضى أكثرية.
اما البيان الوزاري والتوجهات السياسية ولا سيما حيال الالتزامات الدولية فحديث آخر لا يبدو ميقاتي جاهزا بعد لقول الكلام غير المباح فيه بعد.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك