النهار
تترقب مصادر معنية في بيروت الوتيرة التي سيطل بها الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله اعلاميا من اجل متابعة السعي في مواجهة المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري نظرا الى ان مضمون القرار الاتهامي سينشر بعد اسابيع قليلة بحيث انه يحاول استباق حيثيات هذا القرار تماما على ما عمد العام الماضي في السعي الى الطعن بصدقية المحكمة من خلال اطلالات اعلامية متكررة. وتعتقد هذه المصادر ان مضمون القرار الاتهامي وحيثياته ستكون اكثر تعقيداً من حيث انه سيورد تفاصيل عملية الاغتيال ودور كل فرد من المتهمين بما سيجعل الصراع على كسب الرأي العام المحلي والخارجي، وفق ما يعتقد كثر ان الحزب يسعى اليه، اكثر صعوبة مما هو حاليا. اذ ان آراء كثيرة حتى من الاكثرية الجديدة بالذات باتت اقرب الى الاقتناع بضرورة ان يحمل الحزب الى المحكمة ما يقول انها قرائن يملكها وتدين اسرائيل، لان الصراع على الرأي العام لن يفيد. فهناك قوى 8 اذار التي ستعتمد ما يقوله السيد نصرالله أكان من منها مقتنعا بحججه ام لا، وهذا سيسري خصوصا على الفريق المسيحي الحليف له والمرتبك في رفضه العدالة الدولية. وهناك قوى 14 اذار التي لن يقنعها كلام الامين العام للحزب وكذلك الامر بالنسبة الى الدول العربية التي شكل موقف وزير الخارجية المصرية في شأن عدم تغليب منطق الاستقرار على منطق العدالة نموذجا لما ستكون عليه مواقف الدول العربية باستثناء سوريا للاسباب المعروفة. اضف الى ذلك اعلان الخارجية الروسية موقفا من الاصرار على العدالة الدولية وعلى المحكمة غداة الاعلان عن صدور مذكرات التوقيف. ومع ان الموقف الروسي ليس جديدا في مضمونه اذ دأب السفير الروسي في لبنان على التذكير بموقف بلاده في هذا الشأن عند كل مناسبة، فإن الاعلان الروسي يكتسب اهميته من واقع ان روسيا نفسها هي التي تدافع عن النظام السوري وتمنع الاجماع الدولي في مجلس الامن على موقف يدين قمع النظام للانتفاضة الشعبية في المناطق السورية ويتم تثمين موقفها على هذا الاساس من جانب القوى اللبنانية الداعمة للنظام، مما يبقي الموقف المعارض للمحكمة من دون اي غطاء دولي او اقليمي ويجعل صعبا مواجهة القرار.
وتقول المصادر نفسها إنه ومع الاخذ في الاعتبار عدم تسبب الاعلان عن القرار الاتهامي وصدور مذكرات التوقيف باي اضطراب امني، وكذلك الحرص لدى الافرقاء السياسيين على الابقاء على سقف الخطاب السياسي في مجلس النواب معقولا خشية ان يؤدي التصعيد السياسي الى ترجمة على الارض، فإن ثمة تساؤلات تطرح. اذ حين اسقطت قوى 8 آذار الحكومة السابقة، فإن احد ابرز الاسباب التي قدمت هي المحافظة على الاستقرار وعدم تفجر الوضع بسبب المحكمة، على رغم ان هذه المعادلة لم تفهم حتى الان. وقد تم تبرير اللجوء الى حكومة اللون الواحد بانه من اجل حفظ الاستقرار. وتاليا فلماذا قد يكون الاستقرار مهددا والحال هذه ما دامت قوى 8 اذار اطاحت حسب قولها اسباب عدم الاستقرار، علما ان هذا الكلام كان يعني فقط احتمال قيام الحزب برد فعل على القرار الاتهامي كأن يسيطر على مؤسسات الدولة وما شابه وفق السيناريوات التي كانت تتم اشاعتها، وهذه الاخيرة لم يعد لها معنى ما دام الحزب قام بعملية استباقية صبت في الاطار نفسه. وهذا الامر لم يتم استيعابه ولا قبوله على اي مستوى اقليمي او دولي ولو لن تؤخذ اجراءات سريعة ازاء لبنان.
والتساؤل الآخر يتصل بالمقاربة التي قدمها مسؤولون حيال ما كان يحاول ان يقوم به الرئيس سعد الحريري ويسميه البعض مساومة على المحكمة او تنازلا عنها، ويسميه بعض آخر مؤتمرا للمصالحة. فهذه المقاربة يتم التعاطي معها كأن ذلك تهمة او خطأ جسيم، وغالبية قوى 14 آذار إن لم تكن جميعها كانت غاضبة لمقاربة الحريري انذاك ما لم تكن مقاربة ثابتة ومضمونة تضع البلد على سكة بناء الدولة وانهاء التدخل الخارجي على نحو نهائي. وهذه المقاربة التي تستخدم على سبيل التشهير او على الاقل كمأخذ على ما كان يقوم به الحريري تفيد بأن اي مقاربة مختلفة عن المقاربة الحالية، اي ان تأخذ المحكمة الدولية مجراها، كانت مرفوضة ولا تزال وفقا للسخرية او التشهير بمبادرة الحريري. وهي توحي ايضا بأن اي محاولة حوار ممكنة للمصالحة او للمسامحة هي امر لا يجب القيام به او سلوك طريقه مما يجعل الدعوات الى الحوار لا فائدة منها وفارغة عمليا من اي مضمون ما دام يؤخذ على الحريري سلوكه هذه الطريق في السابق، علما ان الحكومة الجديدة هي نتاج مباشر لرفض المصالحة قبل بضعة اشهر.