الإختلاف الإستراتيجي بين اوروبا واميركا

شارل أيوب

الديار

تجري الاحداث في سوريا بطريقة دموية نتيجة مظاهرات واضطرابات شعبية، ومحاولة النظام ضبط الحركة الشعبية، بإنتظار اجراء اصلاحات دستورية وقانونية في البلاد تتعلّق برعاية شؤون المواطنين بعد 41 سنة من تجربة مرّت، لم يتغيّر فيها الدستور ولا القوانين.

اوروبا تريد سوريا تحت العقوبات ومحاصرتها، ودفعها بالقوة، وبأقصى سرعة نحو تغيير دستورها والخضوع للمظاهرات دون الأخذ بعين الإعتبار المهلة الزمنية للتعديلات الدستورية التي قد تتطلّب شهرين على الأقل، مع العلم ان الرئيس الأسد اعطى توجيهات لإجراء الإصلاحات خلال شهر دستورياً وقانونياً. اما الولايات المتحدة، فنظرتها تختلف عن اوروبا، وهي ترى أنها لا تريد الضغط بقوة على سوريا، لأن لها مصلحة تختلف عن اوروبا التي تريد السيطرة على دول البحر الابيض المتوسط بما فيها سوريا، ولكن بسرعة بالغة. اوروبا تريد تنفيذ هذا الهدف، اما اميركا فتعتبر انها ستستفيد في الحالتين. الحالة الاولى، اذا تمّ تطبيق الديمقراطية في سوريا وتغيير الدستور، فهي بالتالي ستصبح قادرة على التدخل في الشؤون الداخلية السورية عبر تعدد الاحزاب وتغيير الدستور السوري.

اما الحالة الثانية التي ستستفيد فيها الولايات المتحدة في كل الاحوال، فهي تعتبر انه اذا خضع الرئيس الاسد للضغط الجماهيري، وقام بإجراء اصلاحات دستورية وقانونية سريعة، سيؤدي ذلك الى اضعافه، مما يعني تقريباً فكّ التحالف بين سوريا وايران، اضافة الى ان النظام السوري لن يكون قادراً، برأي واشنطن، على اقامة العلاقة ذاتها مع حركة حماس وحزب الله كما في الماضي، وبالتالي فالولايات المتحدة تستفيد من ضعف سوريا لوضعها تحت الهيمنة الاميركية في المنطقة، وتطبيق تسوية مع اسرائيل تفرضها الولايات المتحدة بشروطها. هنا يكمن الخلاف الاوروبي الاميركي، فالهدف الاوروبي هو محاولة الهيمنة على سوريا عبر اخضاعها لإصلاحات دستورية وقانونية تجعلها تسير على خط الدول التي سيطرت عليها اوروبا، وهي تونس ومصر وقريباً ليبيا، اضافة الى النفوذ الاوروبي الحاصل في اليمن بالتنسيق مع السعودية.

اما اميركا فتريد الاستفادة من النتيجة، وليس من الطريقة والوسيلة، فلذلك هي تعتبر انه كيفما تكن الحالة التي ستسير بها سوريا، فالولايات المتحدة تستفد من ذلك. اذا خضع النظام السوري للضغط الجماهيري، فبالنسبة لواشنطن تكون سوريا ضعيفة وبحاجة اليها، ولا يعود بإمكانها ان تكون مستقلّة بقرارها كلياً، لأن النظام سيكون ضعيفاً بعد خضوعه للإصلاحات بسرعة كبيرة، اما اذا استمرّت الحوادث في سوريا، فإن الولايات المتحدة تعتبر ذلك نزيفا ًللطاقات السورية ولطاقة النظام السوري، وبالتالي هذا ما يجعله ضعيفاً وينصرف عن التحالف مع ايران، وليس قادراً على شبك علاقة قوية مع حزب الله وحركة حماس، وهذا ما تريده الولايات المتحدة التي تعمل لإخضاع سوريا لهيمنتها ولفرض التسوية في الشرق الاوسط مع اسرائيل كما تبغي واشنطن بتأثير من اللوبي الصهيوني.

عنصر جديد دخل على الخط، وهو موقف تركيا المنتقد بشدّة لسوريا، واهم نقطة تمّت اثارتها، هو كلام الرئيس التركي عبدالله غول الذي قال: اننا نعرف كل شيء عن سوريا وبكل التفاصيل، ونحن مستعدّون لسيناريو سياسي وسيناريو عسكري دون ان يوضح ما هو السيناريو العسكري، علماً ان تركيا قوّة عسكرية جبّارة تسمّى جيش المليون جندي في المنطقة، ولها حدود مع سوريا تصل الى 800كلم، وما ان انتهى الرئيس التركي غول من كلامه عن السيناريو العسكري، حتى ظهر في الصحف التركية تفسير لهذا الكلام، يقول ان السيناريو العسكري قد يكون اقامة منطقة عازلة لا وجود فيها للجيش السوري بعمق 10كلم من الحدود التركية، والسبب الذي فسّرته الصحف التركية، هو ان الإشتباكات بين الجيش السوري والمتظاهرين ادّت الى نزوح مواطنين سوريين الى تركيا، وتركيا لا تستطيع ولا تريد استقبال عدد كبير من اللاجئين السوريين الى اراضيها. لذلك فقد تفرض عسكريا ً منطقة معزولة من السلاح بعمق 10 كلم من الحدود التركية السورية، وباتجاه الداخل السوري، وهذا الامر خطير للغاية، لأنه يجعل السيادة السورية منقوصة، وعلى الارجح لن تقبل سوريا بهذا الأمر، ثم انه يعطي حرية الحركة للقرى والمدن السورية ضمن شريط الـ10كلم بشكل يكون فيه المواطنون بهذا الشريط متمرّدين على السلطة السورية، وعندها ستصاب سوريا بضعف كبير نتيجة السيناريو التركي اذا تم تنفيذه، لان سوريا قد تذهب الى الحرب مع تركيا ولن تقبل بفرض شريط حدودي منزوع السلاح، بعمق 10 كلم داخل اراضيها، اولاً لأنه انتقاص للسيادة السورية، وثانياً لأنه يعطي منطقة حرّة للمتمرّدين على النظام السوري، حيث لا تستطيع القوات السورية ملاحقتهم ضمن هذا الشريط الحدودي التي ترغب تركيا بإقامته دون ان يكون قد تمّ الإعلان رسمياً حتى الآن عن هذا السيناريو العسكري التركي، ويبقى الأمر في اطار التكهّنات.

ان سوريا بحاجة الى اصلاحات دستورية وقانونية، واعترف بالأمر الرئيس السوري بشّار الاسد، واعطى توجيهاته الى مجلس الوزراء بإنشاء لجنة برئاسة نائب رئيس الجمهورية من اجل الاصلاحات، ومن اجل قيام قانون تعدّد الأحزاب. لكن القضية ليست قضية اصلاحات، بل هي مسألة واضحة. بعد تقسيم العراق كعمق استراتيجي للجبهة الشرقية، كي ترتاح اسرائيل من العراق الذي اصبح ثلاث دويلات، فإن الخطة الدولية هي اضعاف سوريا الى اقصى الحدود، وتكريس لبنان بلداً مقسّماً مذهبياً، وقد يصبح الدستور اللبناني دستوراً فيدرالياً على قياس الطوائف والمذاهب، او لا يتمّ تعديل الدستور.

لكن الواقع في لبنان هو واقع تقسيمي مذهبي فيدرالي، سيجعل تأليف الحكومات في المستقبل وقيام الاكثريات على اساس مذهبي وطائفي، وليس على اساس الانتماء الوطني، والولاء الوطني، وارادة الحياة الواحدة.

قد تكون القيادة السورية تأخّرت في الإصلاحات، لكن المخطّط الحقيقي بدأ يتوضّح ويظهر، وهو ان المطلوب اخضاع سوريا واضعافها الى اقصى الحدود لفكّ تحالفها مع ايران ولاضعاف علاقتها مع حزب الله الى اقصى الحدود ومع حركة حماس في ذات الوقت.

الخطّة اصبحت واضحة استراتيجياً، وهي تهدف الى اضعاف سوريا امام اسرائيل، عبر فكّ تحالف سوريا مع ايران، وعبر اضعاف علاقات سوريا وعدم قدرتها على التنسيق بقوّة مع حزب الله وحركة حماس. الخطّة هي شرق اوسطية، مع ان لها طابع اصلاحات دستورية، واتجاها ً نحو الديمقراطية، والإصلاحات تحتاجها سوريا. لكن الشعب السوري و النظام السوري يريدان الإصلاحات لتعزيز وضع سوريا ومكانتها، فيما اوروبا واميركا تريدان الإصلاحات والديمقراطية في سوريا من اجل اضعافها للوصول الى التسوية مع اسرائيل وفق المخطط المرسوم من اللوبي الصهيوني.

لم تعد المسألة مسألة اصلاحات او اضطرابات، بل اصبحت «سيناريو» عسكريا ً تركياً وضغطا ً اوروبيا ً وضغطا ً اميركيا ً، وبالتالي وضع سوريا تحت مظلّة الحلف الأطلسي بالقوة، تمهيداً لفرض التسوية في المنطقة وفق ما تريده اسرائيل.