تبارز على الموقف الدولي بين الحكومة والمحكمة
النهار

يمكن لفريقي الصراع في لبنان ان يجدا في بعض ردود الفعل الدولية على البيان الوزاري للحكومة عقب نيلها ثقة الاكثرية النيابية التي تتألف منها ما يرضي كل منهما على ما كانت الحال بالنسبة الى موقف وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاترين اشتون التي رحبت بنيل الحكومة الثقة ووعدت بتقديم الاتحاد الاوروبي دعمه لها لكنها اعربت عن قلقها من "غياب التزام الحكومة الجديدة في بيانها الوزاري التزامها الصريح للمحكمة الخاصة بلبنان". في حين ان رد فعل فرنسا كان اكثر تشددا اذ اعلنت "اخذ العلم باعتماد البرلمان اللبناني البيان الوزاري والقلق من الصيغة التي استخدمت للحديث عن المحكمة الخاصة بلبنان والتشكيك بها" داعية السلطات اللبنانية الى "احترام التزاماتها في ما يتعلق بالتعاون مع المحكمة واكمال التدابير التي ينبغي ان تتخذ في هذا الصدد". وكذلك الأمر بالنسبة الى الموقفين الاميركي والبريطاني .

 

يود الخارج ان يكون للبنان حكومة في هذه المرحلة ويؤمن التغطية الفعلية وجود الرئيس نجيب ميقاتي على رأسها باعتبار ان مواقفه وتعهداته، فضلاً عن علاقاته الشخصية كفيلة بطمأنة هذا الخارج الى الكثير مما يخشاه من الحكومة بتركيبتها الحالية. وقد اطمأن كثر الى ما تعهده شخصياً امامهم في شأن التعاون في موضوع المحكمة، وهم لا يملكون سوى انتظار وضع الاقوال على محك التنفيذ واعطائه فرصة حقيقية على رغم قلقهم من الموقف الذي اعلنه الامين العام حزب الله حسن نصرالله في موضوع المحكمة والتحدي الذي رفعه رفضه التعاون معها. ولا يملك الخارج سوى التعامل مع الحكومة وان هناك حاجة ماسة لديه الى التعامل مع مرجعية مسؤولة في لبنان في قضايا اساسية من بينها الاحتمالات المفتوحة دوماً على الوضع في الجنوب وقضايا حرجة منها على سبيل المثال خطف الاستونيين السبعة، وامور كثيرة اخرى. اضف ان القوى المعارضة حين تحولت الى معارضة اقرت بانتقال ميزان السلطة الى مكان اخر ايا تكن الطريقة التي استخدمت في ذلك اي اكثرية نيابية حقيقية او اكثرية مركبة نتيجة انقلابات سياسية يتفق كثر على اعتبارها لي ذراع للديموقراطية في لبنان. فضلاً عن ان هناك حاجة الى ادارة شؤون اللبنانيين في ظل وضع مستقر في لبنان امنياً واقتصادياً ايضاً من ضمن الحد الممكن.

 

وتقول مصادر ان موضوع الحكومة حتى بتركيبتها الراهنة والتحفظات عنها كان يمكن ان يمر بسهولة اكبر لولا موضوع المحكمة، وذلك نتيجة الانشغال الدولي بالوضع في دول المنطقة والذي يحمل تغيرات كثيرة تجعل من موضوع الحكومة اللبنانية موضوعاً هامشياً وخصوصاً ان هذا الوضع يتأثر حكماً بالتطورات في الدول الاقليمية المجاورة، ولا سيما في سوريا في ضوء ما يتلاحق فيها من حوادث.

فهل تخطئ المعارضة في اعتبار الحكومة انتقالية في مرحلة محكومة بالتطورات المتلاحقة في سوريا في حين تعتبر الاكثرية انها نجت بالحكومة ويمكن ان تنجو باداء بالحد الادنى في موضوع المحكمة نتيجة الانشغال الدولي باكثر من ملف في المنطقة وصولا حتى الانتخابات في 2013، اذ يمكنها تكريس اكثريتها النيابية عبر التعيينات التي ستجريها ؟ وهل يتصارع الفريقان على الموقف الدولي دعماً للحكومة او نزعاً للشرعية عنها؟

 

تقول مصادر متابعة ان كلا من الاكثرية والمعارضة تراهن على التطورات المقبلة فيما الوضع في المنطقة كما في لبنان في مهب التغيرات غير المعروفة النتائج. فالاكثرية سابقت حتى الآن بتأليف الحكومة والبيان الوزاري صدور القرار الاتهامي باغتيال الرئيس رفيق الحريري وهي، مع ادراكها العميق للتطورات في سوريا، حريصة على الاستعجال في محاولة لتكريس مواقعها في السلطة على أمل ان تستطيع الحكومة الصمود حتى سنة 2013، وليس فقط مواجهة القرار الاتهامي في اغتيال الحريري علماً انه لا يزال من المبكر جدا في حسابات المنطقة وحسابات لبنان الجزم في اي اتجاه يمكن ان تذهب الامور.

 

لكن هذه المصادر تلاحظ استهانة ظاهرية بمفاعيل القرار الاتهامي على المستوى الداخلي وبمفاعيل عدم تعاون لبنان مع المحكمة على طول الخط، علماً ان الامور قد لا تكون بهذه السهولة اذا كانت الاذان "صماء" عن سماع الاخرين والرغبة في سماع ما يقوله الخصم او فرض وجهة نظر. اذ سيكون هناك انتظار لمعرفة اذا كان التحدي الذي اطلقه الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في وجه المحكمة وفي وجه قدرة الدولة اللبنانية على التعاون في موضوع مذكرات التوقيف كافياً لطي القضية علماً ان ليس هناك استعدادات خارجية من اي نوع كان للتضحية بمفهوم السعي الى العدالة عبر القضاء الدولي حماية للامم المتحدة وللمفهوم الجديد الذي تحاول تسويقه عالمياً. اضف الى ذلك ما لاحظه كثر في جلسات المناقشة من تعبير نواب المعارضة عن استهانة بفريق سقط منه شهداء كثر وقدم مطالعات امام الحكومة التي قالت انها لجميع اللبنانيين من اجل الدفاع عن حقوق الشهداء ومعرفة الحقيقة في شأنهم. وهو امر يخشى المعنيون، ألاّ يبقى الوضع على حاله اذا تأكدت هذه الاستهانة من الحكومة اللبنانية. وقد يكون بعض نواب "جبهة النضال الوطني" الأكثر تعبيراً عن المأزق الذي جرت على اساسه المناقشات من دون رد بالوقع المناسب وعلى مستوى الازمة او الانقسام الحاصل في البلد.

 

اما المعارضة فقد سقط رهانها على ان التطورات الاقليمية، وتحديداً السورية لن تسمح بتأليف الحكومة اولا ثم في وضع بيان وزاري مناسب باعتبار ان التحدي قد يدفع بالامور الى ما يفترض ان يكون موضع مراجعة وتقويم، كما حصل في اعادة توجيه رسالة على الكباش القائم انطلاقا من لبنان.

 

وربما تخطئ المعارضة في تقويمها للحوادث السورية واثرها السياسي على لبنان في المدى المنظور بما يجعل الحكومة قصيرة العمر. اذ ان النزف الحاصل في سوريا قد يستمر لمدة طويلة مع الاستمرار في توجيه الرسالة نفسها عبر لبنان.

 

ولذلك سيكون عليها ان تذهب في المواجهة ضمن الاطر الداخلية المشروعة.