أمامها فرصة "مبدئياً"!
النهار

"مبدئياً"، وبالمعنى المجازي والعملي نفسه الذي استعارت به الحكومة هذه الكلمة الدالّة في موقفها من المحكمة الدولية، تملك الحكومة فرصة غير قليلة لعزل الصراع السياسي عن وظيفتها الأم كسلطة مسؤولة عن تنفيس كرب الناس وتحقيق الحد الادنى من انجازات شديدة الالحاح. وهي فرصة تتأتى من كونها فريق عمل سياسياً واحداً أحادياً هذه المرة. واذا كان ذلك يثير في السياسة التباسات ومحاذير ومضاعفات في ضوء الظروف الانقلابية المعروفة، فإنه في الواقع الموضوعي يوفر لمرة اعادة انتظام اللعبة بين فريق يحكم وفريق يعارض، منهياً تجربة الخلط العبثي الذي حرم اللبنانيين كل انجاز على مستوى مصالح الناس.

هي فرصة هائلة اذاً ما لم تتوغل الازدواجية التي طبعت البيان الوزاري للحكومة الى أدائها الآخر المتصل بمسؤولياتها عن الانجازات. كما انها فرصة لأن اللبنانيين لن يديروا "الاذن الصماء" لانجازات حقيقية حتى لو كان نصفهم يعارض الحكومة، وحتى لم لم ترَ المعارضة اي خير يرتجى منها. فالحال التي آل اليها اللبناني في ظل تهميشه  وعملقة قضايا السياسة والصراع جعلته مؤهلاً لأن يهلل لاي قليل متى مسّ احواله البائسة.

المهم ان تعرف قوى هذه الحكومة، حين تجد نفسها مباشرة امام ناصية السلطة الأحادية، ان توقف مدّ الازدواجية السياسية التي تتحكم بمعظمها الى ملفات الدولة والناس. فالمسألة هنا ليست شطارة بلاغية او مناورات لغوية او بهلوانيات او مسرحيات استقواء. في هذا المكان وحده تكمن الفرصة اليتيمة للحكومة التي يمكن عبرها مصالحة الناس مع مفهوم حكومة من لون واحد. حتى اللون الواحد يصبح مقبولاً في بلد كلبنان اذا اثبت جدارته في المسؤولية المتجردة عن كل الناس. سمع الناس ما يكفي من نظريات وغرائب تفلسف منطق الاستسلام لتقويض العدالة والاذعان للأمر الواقع، وسمعوا ما يكفي من وصفات هجينة لتشريع التخلي عن حقوق "مبدئية" في حماية الحريات ونزع صفة "بلد الاغتيالات" عن لبنان تحت وطأة الغلو في التخويف من الفتنة والمغالاة في التوجس على السلم الاهلي. هذه الموجة باتت أشبه بتقليعة فقدت كل بريق واضحت رتيبة مملة لا تقدم ولا تؤخر شيئاً. وغداً ينتصب ميزان الاختبار امام حكومة لديها فرصة وانما محاصرة بكل المحظورات واولها محظور الازدواجية من داخلها قبل اي شيء آخر.

لن يستقيم الأمر اذا طاردت هذه الازدواجية الحكومة بين "المبدئي" الكلامي واللامبدئي الواقعي في كل شيء. الانجاز في ما يتصل بالقرار الاجرائي والمسؤولية عن الناس لا يحتمل ترف اللهو السياسي والبلاغي. ولو لم تكن حكومة أحادية لكان الهامش أوسع امامها للتخفي وراء تناقضات مكوناتها. اما الضريبة التي يتعين على سلطة أحادية ان تدفعها لكسب فرصتها فهي ان تغير المفهوم السلبي للائتلاف الحاكم بانجازات تنهي عصور التعطيل ولا تعرف تلويناً او فئوية، فهل تراها قادرة على ذلك "مبدئياً"؟