عام وشهران مرّا على مأساة سقوط الطائرة الاثيوبية في البحر قبالة ساحل الناعمة في 25 كانون الثاني 2010. مأساة خلّفت جراحا عميقة في نفوس أهالي الضحايا، الذين لا يمكن للوقت مهما طال أن يبلسم جروحهم ويخفف من أحزانهم، ويُنسيهم مهمّة البحث عن حقيقة من سَرق منهم أبناءهم في تلك الليلة الظلماء.
عائلة عكوش
يشير الدكتور كمال عكوش الذي فقد ولده محمد في حادثة تحطم الطائرة الاثيوبية، الى انّه "بعدما أفقت من المصيبة، قررت محاسبة من يتحمّل هذا الخطأ الذي أودى بحياة ابني".
في البداية، لا ينكر عكوش انّه كان في حالة من التخبط، "فوضعنا كان صعبا جدا، لذلك لم نَقم باتّباع الطريق الصحيح لمتابعة ملف التعويضات".
امّا اليوم، فيبدو الحاج الجنوبي مطمئنا الى المسار الذي تسلكه المفاوضات والذي تقوم به شركة المحاماة "اوريللي كولينز"، المولجة بمعالجة هذا الملف مع شركة الطيران الاثيوبية، وشركة "البوينغ" الاميركية لصناعة الطائرات، مُتهما الدولة "بفرض التأخير في إصدار التقرير النهائي حول الحادث-الكارثة".
وشدد عكوش على أنّ "موعد تسلّم الأهالي جزءا من التعويض من شركة التأمين اصبح قريبا". ولفت الى "أنّ عائلة كل ضحية قد حصلت على مبلغ قيمته 25 الف دولار اميركي، هو بمثابة تعويض من شركة الطيران الاثيوبية"، مضيفا انّه في حال "اظهر التقرير انّ الخطأ وقع على عاتق الشركة، يتوجّب على شركة التأمين "اللويدز" دفع ما لا يَقلّ عن 100 ألف استرليني، اي ما يعادل 150 الف دولار اميركي لعائلة كل ضحية، على انّ يتم حسم المبلغ الذي دفعته الشركة سلفا".
أمّا إذا ما تمّت تبرئة الشركة، فإنّ الـ 25 الف دولار التي تسلمتها عائلات الضحايا، ستكون "بمثابة هِبة لهم"، مشيرا الى انّ "الهيئة العليا للإغاثة سَلّمت اهالي الضحايا مبلغا قيمته 40 مليون ليرة كتعويض".
عائلة الارناؤوط
بدوره، لا يَرى الحاح ابو مصطفى الارناؤوط، الذي فقد ولده الشاب، "انّ أي تعويض يمكن أن يعوّض هذه الخسارة". غير انّ القضية بالنسبة الى الوالد المفجوع، هي "حقيقة وحقوق. وقد تطفأ النار في قلبه، في حال تمّ الحصول على هذه الحقوق".
ويؤكد انّ "المفاوضات وصلت الى مرحلة متقدمة"، مشيرا الى انّ "ملف التعويضات قطع نصف الطريق، وحتى نهاية السنة، يمكننا القبض من شركة التأمين".
واوضح انّه "إذا ما ثبت أنّ الحادثة هي نتيجة خطأ بشري ارتكبه كابتن الطائرة، فإنّ شركة الطيران الاثيوبية تتحمل مسألة التعويض، الذي ستقوم بدفعه شركة التأمين". وفي حال تبيّن وجود خطأ فني في الطائرة، فإنّ شركة "البوينغ" ستتحمل المسؤولية، وبالتالي ستتولى شركة التأمين دفع المبلغ المتوجّب الى أهالي الضحايا.
وأوضح انّ "المخضرم في حوادث الطيران جورج هاتشر، هو مَن يتولّى مهمة متابعة قضية ابنه. وهو على اطلاع يومي مع أسَر الضحايا على آخر المستجدات المتعلقة بقضيتهم، من خلال موقع إلكتروني خصّصه هاتشر لهذه الغاية".
ولفت الى أنّ "شركات المحاماة هذه ستتقاضى 25 في المئة من نسبة المبلغ الذي سيذهب الى صالح عائلات الضحايا". واضاف: "لقد ارتأينا ان ننتظر الى تموز المقبل، الى حين صدور التقرير كي يتمّ تحديد المسؤوليات بشكل واضح"، وذلك بناء على نصيحة وزير العدل في حكومة تصريف الاعمال ابراهيم نجار لأهالي الضحايا، المتلخّصة بعدم تقديم اي دعوى قانوينة قبل صدور التقرير الرسمي عن اسباب سقوط الطائرة.
وشدد ارناؤوط على انّ شركة المحاماة ستحدد اذا كان هذا التقرير لصالح العائلات، ويجب ضمّه الى ملف التحقيق. امّا اذا لم يكن مُنصفا، "فلن يكون امامنا خيار سوى اللجوء الى المحاكم الاميركية".
الجانب القانوني
بعدما استمعنا الى تطورات ملف التعويضات بالنسبة الى اهالي الضحايا، توجهنا الى مكتب المحامي نبيل ابو جودة، الذي تم تعيينه من قبل شركة المحاماة "ستيورات لو" البريطانية، وشركة " اوريللي كولينز" الاميركية، ليتوَكّل عن 52 ضحية لبنانية.
يشير ابو جودة إلى وجود 3 أطراف عمالقة معنية بمسألة تحديد المسؤوليات ودفع التعويضات، وهي: شركة "البوينغ"، وشركة الطيران الاثيوبية، وشركة "اللويدز".
ويشدد على انّ المحامين الموكلين بمتابعة ملف التعويضات "ليسوا الآن في وارد رفع دعوى على الشركات الثلاث. فنحن نحاول التوَصّل الى حل ودّي، يرضي جميع الاطراف".
وكشف ابو جودة على انّ "المفاوضات تسير بشكل جيد، بانتظار المستندات التي يتوجّب على أهالي الضحايا استكمالها"، مضيفا "لقد حصلنا على اول عرض منذ شهرين في الاجتماع الذي عقد في فندق الحبتور"، من دون ان يحدد بالضبط قيمة التعويض الذي يختلف بين الشخص العازب والآخر المتأهّل، لافتا الى "إمكان أن يتجاوز التعويض المليار ليرة لكلّ عائلة".
وأشار الى انّ شركة التأمين البريطانية "اللويدز" خصصت مبلغا جانبيا قيمته 55 مليون دولار من ميزانتيها كحد أدنى، لتغطية الحادث منذ البداية.
وفي حال لم ينصف تقرير اللجنة الفرنسية المتوقع صدوره في تموز المقبل اهالي الضحايا، "سيقوم المحامون المكلفون بهذه القضية برفع دعاوى قضائية في الولايات المتحدة الاميركية، بحق كافة المدعى عليهم الذين تَترتّب عليهم اي مسؤولية في الحادث خلال سنتين من تاريخ وقوعه".
وأوضح ابو جودة: "بما انّ زوجة السفير الفرنسي التي هي في عداد الضحايا، حائزة الجنسية الاميركية، فإنّ هذا يعطي اهالي الضحايا الحق بالترافع امام المحاكم الاميركية، في حال لم تتمّ تسوية القضية".
واستغرب ابو جودة ترجيح فرضية سقوط الطائرة الاثيوبية جرّاء تفجير ارهابي، متسائلا "لماذا يطلبون من الضحية أن تتبنى فرضية التفجير الانتحاري؟
وشدد ابو جودة الى انّه "من مصلحة شركة "بوينغ" ان تقول إن ما حدث كان انفجارا، وتبعد أي شُبهة عن صناعاتها. وبدورها الشركة الاثيوبية تتمنى ان يكون ما حصل عملا ارهابيا، لتبعد اي تقصير من قبل كابتن الطائرة ومساعده".
في المحصّلة، يستحق اهالي كل من كان على متن تلك الرحلة المشؤومة رقم "409" أن يعرفوا حقيقة ما جرى لفلذات أكبادهم وأحبائهم الذين قضوا. كما يستحقون تحديد مسؤولية الجهة المقصّرة، سواء أكان الخطأ الذي قاد الى هذه المأساة بشريا من فعل كابتن، أو خللا تقنيا.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك