النهار
يشكل الاطار المبدئي التمهيدي للدعوة الى تجديد الحوار التي اطلقها الرئيس ميشال سليمان في عشاء عمشيت صيغة تسووية معقولة اذ قرن عبرها الموضوع المطروح دوما على الحوار وهو الاستراتيجية الدفاعية بتوسيع اطاره الى النظر في آليات تطبيق الطائف ومن ثم ترك العدالة في مسارها المستقل. نظرياً ترضي دعوة كهذه طرفي النزاع ان كان لحوار جديد من ظروف موضوعية، اما في الواقع العملي فثمة حسابات معقدة كثيرة وطارئة ومتراكمة لا تخفى بالتأكيد على رئيس الجمهورية مما يتعين عليه التدقيق في تعقيداتها ان هو مضى في احياء الطاولة المستديرة.
واقعياً، لا ترى قوى الموالاة الجديدة باستثناء الرئيس نجيب ميقاتي والنائب وليد جنبلاط الى جانب الرئيس سليمان، مصلحتَها في موقع حواري ملح الآن. تفضل قوى 8 آذار حصرا ان تتمادى اولا تجربتها السلطوية لترسيخ موقعها على ناصية السلطة وتوسيع مردودها في كل ما تتيحه لها قبل ان تعترف للمعارضة بهذا "التنازل" الحواري.
بدورها، لا تبدو قوى المعارضة الجديدة بكل مكوناتها راغبة في تقصير امد اختبارها للاقتصاص من السلطة التي تعتبرها انقلابية والتربص بها عند كل شاردة وواردة سعيا الى انهاكها المبكر قبل ان تعترف لها بهذه "المنة" الحوارية.
اما الاهم من الحسابات الخاصة بكل من الفريقين فهو الاطار الاقليمي للحوار المثير لتعارض شديد بين منطق يقول بان الانهيارات العربية توفر فرصة تاريخية للبنان لتحييد نفسه عن تداعياتها والشروع في اعادة ترميم نظامه واحواله، وآخر يرى عقم أي تجربة مماثلة قبل جلاء الغبار عن الفوضى العربية الشاملة.
وسط هذه العوامل قد نرى مفارقة تمدد العدوى العربية الى لبنان وليس العكس هذه المرة. ولن يكون مستغربا مثلا ان تقول السلطة المقتدرة والنافذة من ضمن فريق الاكثرية برفض الحوار مع "المعارضة الهدامة التخريبية". ولن يكون مستغربا ان تقول المعارضة باسقاط "حكومة السلاح الانقلابية" اولا شرطا للحوار.
في الاطار الحقيقي لأي حوار ممكن ومحتمل، على صعوبة انعقاده قريبا، سيكون هناك بند خفي يتحكم بكل مجرياته. فالى جانب السلاح والمحكمة هناك مصير النظام السوري في اجندة كل من الموالاة الجديدة والمعارضة الجديدة ورهاناتهما وحساباتهما. وهي البنود الشاقة والشائكة الحقيقية التي تتحكم الان بالمصير اللبناني بل هو الثلاثي الخفي والظاهر معاً الذي سيتحكم بالقوى السياسية مثلما سيرسم وجهة الصراع الداخلي. ومن مسار الانقسام المستعصي على الحل لمسألة السلاح الى مسار متوهج للمحكمة ينذر بمزيد من المفاجآت القريبة الى مسار اشد توهجا للازمة السورية وتفاعلاتها الخطرة، سيحتاج الرئيس اللبناني الى ما يفوق صياغة توافقية للمّ الشمل في بعبدا.