كلّما ربح عون خسر النجيب... والعكس صحيح

أنطوان فرح

الجمهورية

يعتقد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي انه قادر على الإمساك بالملف الاقتصادي ما دام حليفه الاساسي، حزب الله، مهتما بالملف الامني كأولوية، وهو بذلك يأمل في تكرار تجربة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي خاض معركة اعادة الاعمار، وترك الملف الامني بين يدي السوريين، ومن ينتدبهم هؤلاء في لبنان. ويظن ميقاتي ان بإمساكه الملف الاقتصادي يستطيع ان يحقق انجازات ترضي الشارع عموما، وتجعله مقبولا في موقعه، بعدما أُثيرت في وجهه انتقادات لاذعة على خلفية قبوله أن يكون جسر عبور الى تشكيل حكومة اللون الواحد، واقصاء الرئيس سعد الحريري عن موقعه، على رغم تمتعه بتأييد غالبية الشارع السنّي.

 

اعتبارات التعقيد

 

هذه الحسابات قد لا تكون في محلها، وقد يفاجأ النجيب بأنه في مواجهة معضلة لا تقل تعقيدا عن المعضلة السياسية التي زجّ نفسه فيها، للاعتبارات الآتية:

 

اولا- إن التعاطي الخارجي مع الحكومة، وان لم يبلغ حد القطيعة، الا انه سيكون محكوما بسقف المحكمة، وكيفية تعاطي الحكومة مع هذا الموضوع، وهذا يعني ان ما يردّده السفراء الغربيون اليوم، من انهم سيتعاونون مع الحكومة اللبنانية، لكنهم يراقبون كيفية تعاطيها مع القرارات الدولية، يعني ببساطة ان التعاون ليس شيكا على بياض، بل هو مشروط بتجاوب الحكومة مع متطلبات المجتمع الدولي. ومن خلال الوقائع، لا يبدو ان ميقاتي، قادر على تلبية تلك المتطلبات، على رغم وعوده الشخصية.

 

ثانيا - إن ما يُعرف بعقدة الجنرال عون، حسب توصيف بعضهم، سوف تُتاح الفرصة امام ميقاتي ليتعرّف إليها عن كثب. وتماما كما ان رئيس الحكومة متحمس لتسجيل "انتصارات" اقتصادية لتعويض الانتكاسات السياسية، فإنّ رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" يحمل في جعبته الطموح نفسه، وهو يأمل في ان يثبت للشارع المسيحي ان التحالف مع حزب الله امر "كسّيب"، وان المكاسب في الحصص والمستوى المعيشي، ومكافحة الفساد تستحق ثمن الدفاع عن هذا التحالف. وتشاء المصادفات ان ميقاتي وعون لا يستطيعان توحيد جهودهما لتحقيق الانجازت معا بسبب تضارب المصالح واختلاف الرؤى. فما يراه عون فسادا، قد يعتبره ميقاتي خطا أحمر، وما يريد ميقاتي اصلاحه قد يعتبره عون من المحرمات التي لا تُمسّ. كل ذلك ينطلق مبدئيا من حسابات ارضاء الشارعين السني والمسيحي. وكلما ربح عون خسر ميقاتي، والعكس صحيح.

 

ثالثا- إن عامل الثقة بالحكومة شبه معدوم. هذا الواقع عكسته حركة الاسواق المالية التي تعتبر المؤشر الاكثر شفافية للثقة. وقد تبين حتى اليوم، أن اعلان ولادة الحكومة، ومن ثم حصولها على الثقة بعد مناقشة بيانها الوزاري والتصاريح المتفائلة التي ادلى بها تباعا الوزراء، كل ذلك لم ينجح في تحريك الاسواق المالية صعودا، وبالتالي ظلت ثقة المتعاملين بالوضع غير موجودة. اكثر من ذلك، برزت ظاهرة مُعبِّرة عكستها اسعار اسهم سوليدير التي راحت تتدحرج هبوطا، بما يعني ان حاملي الاسهم سواء انتموا الى 8 أو 14 آذار، لم يصدقوا ما تعهده الاطراف الذين تشكلت منهم الحكومة، في شأن عدم اعتماد الكيدية وما شابه. ولسبب او لآخر اقتنع حاملو الاسهم ان أركان الفريق الحاكم، والذين تعاطوا مع مشروع اعادة اعمار الوسط التجاري في بيروت وكأنه ملكية خاصة لشخص (الرئيس الشهيد رفيق الحريري)، سوف يستفيدون من وجودهم في السلطة لتصفية حساباتهم مع هذه الشركة اعتقادا منهم، ولو على خطأ، انهم ينتقمون من الحريرية السياسية من خلال ضرب احد أبرز انجازاتها في ملف اعادة الاعمار.

 

رابعا - إن اللون الواحد على المستوى الاستراتيجي السياسي داخل الحكومة، مع استثناءات تكاد لا تُذكر، تقابله تناقضات نافرة على مستوى النظرة الاقتصادية الى مستقبل البلد. ولعلّ المثال الواضح على هذا التناقض، يمكن استشفافه من خلال الموقف من مشروع الخصخصة، وكل ما يتصل به. فالرئيس ميقاتي، وهو رجل اعمال سوبر ناجح، يدرك أهمية المضي في خطط الخصخصة التي تم تكريسها في الحكومات السابقة، وحظيت بدعم دولي تجلّى في المساعدات التي أُقرت للبنان في مؤتمر "باريس 3". في المقابل، فإن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، يعارض في قوة مشاريع الخصخصة، ويدعمه بذلك حزب الله، في حين ان مواقف كل من الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون حيال هذا الملف تبدو ملتبسة. لكن اللافت في الأمر هو ما اشار اليه وزير المال السابق جهاد ازعور لجهة خلو البيان الوزاري من اي ذكر لمتابعة تنفيذ مقررات "باريس 3" وتوصياته، هذا الاغفال يطرح علامات استفهام في شأن موقف الحكومة وقدرتها من خلال تركيبتها على الالتزام إزاء تعهدات لبنان الدولية. اذا أضفنا الى ذلك الكلام الغامض الوارد في البيان الوزاري لجهة اجراء تعديلات في النظام الضريبي، وربما السياسة المالية، قد يصبح متاحا الاستنتاج ان الاقتصاد برمّته امام تجربة جديدة، هذه التجربة حذّر منها الرئيس سعد الحريري في اطلالته الاعلامية الاخيرة، وهي لا تبدو بمثابة استكمال وتطوير لما كان قائما، بقدر ما تبدو بمثابة انقلاب مالي واقتصادي. لكن الاقتصاد اكثر حساسية من السياسة، ولا يحتمل الانقلابات، والمؤسسات ليست في وضع يسمح لها بخوض تجارب جديدة. من اجل ذلك ربما، حرص رئيس جمعية المصارف جوزف طربيه على القول ان لا مانع من تطوير النظام الضريبي او تعديله شرط عدم المس بالنظام اللبناني المتمايز في المنطقة، هذه الـ"نعم" المشروطة تعني شيئا واحدا: المعنيون بالاقتصاد خائفون من انقلابات مالية واقتصادية تقود الاقتصاد الوطني الى مغامرة جديدة. وهم خائفون الى حد انهم يذكّرون الحكومة بأهمية المحافظة على تمايز النظام اللبناني في المنطقة. فهل يمكن ان تكون خطط الحكومة الجديدة طموحة الى حد نسف الأسس التي قام عليها النظام الاقتصادي في لبنان؟

 

تجاذبات متداخلة

 

الجواب، ان الحكومة في الاقتصاد مثل الحكومة في السياسة، لا تملك رؤيا موحدة، وكل فريق فيها يعتقد ان مفتاح الحل والربط في جيبه، وانه سيسجل انجازات تحسب له في شارعه. وفق هذه المعادلة سوف يشهد الاقتصاد في المرحلة المقبلة تجاذبات داخل الحكومة من جهة، وبين الحكومة والهيئات الاقتصادية من جهة أخرى، والحكم بالنجاح او الفشل تحسمه النتائج.