Kataeb.org
في كل مكان ثورة إلاّ في لبنان ، من تونس الى مصر وليبيا ، فالى "اليمن السعيد " وسوريا "بلد الممانعة والتصدّي والصمود " حتى النهاية . ويقال انها الثورة العربية التي ستشمل العالم العربي كلّه من مشرقه الى مغربه ولو تباعدت أوقاتها وفصولها . فما بال اللبنانيين لا يتحرّكون ولا يثورون هم ايضا ً أسوة بالتونسيين ، والمصريين ، والليبيين ، واليمنيين ، والسوريين خصوصا ً طالما انهم وهؤلاء " شعب واحد في دولتين " كما قيل في يوم من الأيام ،
أو لماذا تتأخر ثورتهم ؟
أمّا أوضاعهم فهي كذلك أوضاع لا تطاق ، بل انهم محكومون منذ زمن بأعتى الديكتاتوريات على الاطلاق ، ألا وهي ديكتاتورية الفوضى الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ، التي أسوأ ما فيها هو استحالة معرفة الفاعل أو الديكتاتور ، فالفوضى هي ايضا ً على هذا المستوى . ولعل ّ هذا ما أوحى لبعض هواة النزول الى الشارع بأن الديكتاتور أو الفاعل هو النظام ، وخصوصا ً ان كل الثورات المشتعلة هنا وهناك قد بدأت بالشعار القائل " الشعب يريد اسقاط النظام " . إذن ، فليكن إسقاط النظام الطائفي هو الهدف ، وقد فاتهم ان هذا النظام نفسه معطّل منذ زمن لتقوم مكانه الفوضى ، أو نظام " الشعب والجيش والمقاومة " الذي هو ايضا ً نظام فوضى من الطراز الأول ، إن لم يكن هو الاستبداد بعينه ، حيث السلطة ، بل حيث احتكار السلطة يتلطّى بما يشبه المقدّس : الشعب والجيش والمقاومة . فمن يجرؤ على الدعوة الى اسقاط مقدّسات ؟
أمّا اسقاط الحكومة فأمر لا يستوجب أو يستحق ثورة ، ولا الفريق المطالب باسقاطها ينوي من هذا القبيل تخطّي الوسائل الديموقراطية والمتاحة ، والسلمية الى أبعد الحدود ، فضلا ً عن ان اسقاط هذه الحكومة لا يبدّل شيئا ً في واقع الحال . فديكتاتورية الفوضى باقية بكل ّ سطوتها حتى ليكاد يحكم على لبنان بأنّه دولة فاشلة أو بلد عاجز عن أن يكون دولة . فماذا لو كان ذلك صحيحا ً ؟ والمسألة من هذا القبيل مسألة ثقافية في المقام الأول وربما على هذا المستوى يجب أن تكون الثورة اللبنانية : ثورة ، أولا ً، على الثقافة الموروثة عن زمن الدولة العثمانية ، أو زمن الانتداب والاستعمار ، حيث الدولة هي " الباب العالي" أو "المفوّض السامي" . وغني عن القول ان الكلام على الدولة هو دوما ً كلام على ما يشبه الخصم أو العدو الذي يجب ألاّ يطاع ، أو على ان الدولة جسم غريب أو مستقل ّ ومنفصل عن وجودنا كشعب وجماعة بشرية . وغالبا ً ما يجري هذا الكلام على وجوب التقريب ما بين الدولة والناس ، كما لو ان الدولة والناس فريقان اثنان لا جماعة بشرية واحدة تنتظم في كيان واحد هو الدولة .
ثورة ، ثانيا ً ، على العقل السياسي الذي أنتج السلطوية التي تحكم شعوب هذه المنطقة منذ أجيال ، فخيّل الى بعضنا أن هكذا يجب أن يحكم لبنان ايضا ً أو هكذا تكون الدولة القوية القادرة باعتبار ان لا فرق بين الدولة والنظام . وربما كان على جامعة الدول العربية من هذا القبيل أن تسمّي نفسها جامعة الآنظمة العربية وليس العكس . فدائما ً كان لبنان يصنّف دولة ضعيفة رغم ان الدولة القوية هي في شرعيتها لا في قوّتها الذاتية ولذاتها فقط . أمّا المفارقة فهو ان يظل ّلبنان محكوما ً بهذا العقل السلطوي فيما الثورات العربية كلّها هي ثورات عليه في المقام الأول .
ثورة ثقافية فقط على الثقافات الموروثة عن أزمان سالفة أو المستوردة ، لا سلاح فيها ولا أحقاد ، ولا عنتريات فارغة ، تهدف الى تعميم مفهوم الدولة الحقيقي على الناس ، بل على أهل السلطة أنفسهم كما على أهل السياسة من كل الأجيال والأعمار . فهؤلاء ايضا ً يخلطون ما بين الدولة والسلطة السياسية أو ما بين الدولة وأنفسهم . وهي في النهاية ثورة على الذات لكنّها تحتاج الى من يعلنها ويقودها ويكون قاطرة لها . فماذا لو كانت ثورة الأرز أو ما يشبهها هذه القاطرة ، إضافة الى ثورتها على حكومة هي في النهاية ساقطة أو ذاهبة لا محالة ؟