عمل الحكومة: مجلس عدلي مقابل محكمة دوليّة

أسعد بشارة

الجمهورية

ستكشف الأيام المقبلة مدى الالتزامات التي قطعها الرئيس نجيب ميقاتي لحزب الله في قضية الشهود الزور، ولكنّ هذه القضية ستكون عنوانا جديدا لاستراتيجية احتواء المحكمة التي يتبعها ميقاتي بمباركة من حزب الله، وعلى قاعدة خصخصة المواجهة في موضوع المحكمة، فيعطى ميقاتي كل التسهيلات التي تصل إلى حدّ السماح له بالقول إنّه يريد تسليم المطلوبين، فيما يتولى حزب الله الشريك الأساسي في حكومة ميقاتي وصف المحكمة بأنها إسرائيلية، ويتوّج حزب الله ميقاتي كحليف مدافع عن المحكمة الإسرائيلية، وكساع لاعتقال كوادر في الحزب، زملاءهم وزراء في الحكومة وقّعوا البيان الوزاري الذي يحترم القرارات الدولية ومنها القرار 1757.

لم يعد الرئيس نجيب ميقاتي محرجا، فقد ولّى زمان الحرج، وها هو يستهل سيناريو توزيع الأدوار بالاتفاق الكامل مع حزب الله لضرب المحكمة الدولية، وإحدى الحلقات المقبلة من هذا السيناريو مسألة ما يسمّى بالشهود الزور التي التزم ميقاتي إحالتها إلى المجلس العدلي وفق صيغة أعدّها وزير العدل شكيب قرطباوي، وهي من الممكن أن تتضمّن الكثير من عبارة "مبدئيا"، لكنها لن تكون إلا الدليل القاطع إلى أنّ كل ما حاول ميقاتي الإيحاء به لجهة التزامه المحكمة كان مجرّد محاولات للتمويه زادت في وضوح الصورة.

فإحالة هذا الملف إلى المجلس العدلي، ستشكل أول خطوة قانونية مناقضة لالتزام لبنان القرار 1557 وبروتوكول التعاون مع المحكمة الذي سلّم لبنان بموجبه بصلاحية المحكمة بالنظر في اغتيال الحريري حصرا إلى المحكمة، تماما كما تسلّم القضاء اللبناني كل ما لديه من ملفات هذه المحكمة.

وإذا ما أقدم الرئيس نجيب ميقاتي على خطوة إحالة ما يسمى بملف الشهود الزور إلى المجلس العدلي، فإنّه يكون قطع شعرة معاوية مع ماضيه الملتبس، ويكون خطا الخطوة النهائية نحو التموضع الكامل في محمية حزب الله، إذ إنّ الحزب يراهن على هذه الخطوة لإرباك عمل المحكمة الدولية، ولخلق آلية محاكمة صورية لبنانية موازية لهذه المحكمة، وهو يطمح إلى أن يقوم المجلس العدلي بالنظر في هذه القضية وكأنّها ملفّ حقيقي مكتمل العناصر. ويصل طموحه إلى أن يصدر المجلس العدلي، بوصفه أعلى سلطة قضائية، إجراءات تصل إلى استدعاء الرئيس سعد الحريري والنائب مروان حماده والمهجَّر قسرا إلى باريس تفاديا للاغتيال فارس خشّان، كما يطمح الحزب إلى أن يستدعي المجلس العدلي اللواء أشرف ريفي ورئيس فرع المعلومات وسام الحسن. إذ بمجرّد مثول هؤلاء أمام المجلس العدلي، يكون حزب الله قد حقق خبطة إعلامية كبرى سيسعى إلى توظيفها في التشويش على سير عمل المحكمة، تماما كما سيسعى إلى أن يصدر عن المجلس العدلي مذكّرات توقيف عبر الإنتربول لمن يمثل أمام هذا المجلس، وبذلك يصبح المتغيّبون بسبب خطر اغتيالهم في بيروت، مطلوبين للعدالة.

وقد يسأل سائل الرئيس نجيب ميقاتي الذي تجرأ على المزيد من هذه المغامرات، عن الشهود الذين ضلّلوا التحقيق وهم المحميون الآن لدى النظام في سوريا، فهل لديه ما سيقوله لتسليم هؤلاء للمحكمة الدولية إذا طلبت الاستماع إلى شهاداتهم؟ وهل سيغامر بالطلب إلى السلطات السورية تسهيل تعاون هؤلاء "إذا وجدوا على الأراضي السورية" مع سير المحاكمة؟ وقد يُسأل ميقاتي أيضا عن تحريك القضاء اللبناني لجلاء ملابسات خطف الأستونيين، وعن اختباء الخاطفين ومخطوفيهم في سوريا. وقد يسأل لماذا لم تبادر يا دولة الرئيس، حتى الآن، إلى سؤال السفير السوري في بيروت لكي يسأل حكومته عن هذا "التسلل" تحت أنظار أجهزة الأمن السوريّة؟

قد يكون الرئيس نجيب ميقاتي استمع إلى المحادثة التي سرّبها حزب الله بين الرئيس الحريري ومحمد زهير الصديق، وهي محادثة أعطت الدليل القاطع إلى أنّ ملف الشهود الزور اختراع غير متقن يهدف إلى تشويه ملف التحقيق الدولي، وقد لا يكون استمع، لكنه، مع ذلك، يسلك طريقه إلى المزيد من مواجهة المحكمة الدولية، عبر قيام حكومته بإحالة ملف الشهود الزور إلى المجلس العدلي تنفيذا لالتزام قطعه لحزب الله. وميقاتي الذي يستطيب غياب سعد الحريري عن بيروت، يتقاطع أداؤه في هذا المجال مع ما سرِّب عن ضغوط وتهديدات تهدف إلى استمرار إبعاد الحريري عن خوض معركة المعارضة من لبنان. وليس سرّا أنّ جهات دولية أبلغت إلى الحريري عن معلومات تجمّعت لديها عن أن النيّة باستهداف طائرته في الجو إذا ما عاد إلى بيروت احتمال قائم، وأنّ هذه الجهات نصحت له توخي الحذر الشديد في هذه المرحلة التي تحمل الكثير من مؤشرات الخطر على حياته.