مفاوضات اميركية  مع تنظيم القاعدة في افغانستان
مفاوضات اميركية مع تنظيم القاعدة في افغانستان

تتداول بعض وسائل الاعلام عن ارتباطات وعلاقات بين الولايات المتحدة الاميركية وحركة طالبان، البعض يؤكد والبعض الآخر ينفي، ولكن اي عملية سلام تبدأ من مبادرة او من لقاء او من مجموعة صدف.

جلس الكولونيل توم سافيدج في صالون مكتب محافظ سانغين في جنوب أفغانستان منتظرًا نظيره في حركة "طالبان" محمد كلام الدين حتى يتناولا الشاي معًا. ولعل الأمر مناسبًا بالنسبة لقائد "طالبان" المتمرد، الذي يمضي يومه في قتال الكولونيل سافيدج، أن يقابل الكولونيل تحت جنح الظلام ليلاً مع توخي الحذر. وبعد الساعة التاسعة مساءً، يأتي الرجل مرتديًا عباءة ساترة لا تظهر إلا عينيه يتخطى الطريق المليء بالحصى الذي يحيط بالمكان الحصين حيث تُعقد المقابلة. يرخي حجابه بأسلوب مسرحي، يصافح العقيد، وخلال عشاء من الحساء والأرز يناقش الرجلان الشيء الوحيد الذى يرغب كلاهما فيه بشده، ولا يمكن أن يحقق وحده "السلام".

ويقول العقيد سافيدج "لقد تحدثت إلى ثلاثة قادة محليين مختلفين من حركة "طالبان"، إلا أن هذا الرجل محترم جدًا"، ويعتقد سافيدج إن هؤلاء القادة ربما قتلوا عددًا من رجاله، ومن المؤكد أنهم قتلوا بعضًا من البريطانين الذين قاموا بتسليم جزء من جنوب أفغانستان إلى البحرية الأميركية السنة الماضية. ويضيف "لكنه تعب من القتال، وإذا قرر أن يضع سلاحه فسيكون له تأثير كبير فى المنطقة.

لابد أن أنحي جانبًا ما فعله في الماضي وأن أفكر فقط فيما يمكنه فعله في المستقبل". ورغم أن هذه الاجتماعات تتم في جو من السرية وانعدام الثقة المتبادلة، إلا أن الغرب يتمنى أن مثل تلك الاجتماعات تؤتي ثمارها في تحقيق تسوية دائمة مع حركة "طالبان" وهو ما لم يتمكن ما يقرب من عقد من التدخل العسكري وإنفاق مليارات الدولارات على المساعدات وخسارة آلاف الجنود من تحقيقه. كما ستمكن هذه التسوية العقيد سافيدج وكل الجنود الأجانب من مغادرة أفغانستان وذلك لمصلحة الجميع. وقد عبّر وزير الدفاع الأميركي المنتهية ولايته روبرت غيتس في حديثه الشهر الماضي في أعقاب موت أسامة بن لادن أنه يأمل أن تبدأ المفاوضات مع قيادة الحركة ومقرها باكستان فى أقرب وقت مع نهاية هذا العام. ويبدو أنه مترددا في التحاور مع العناصر المتشددة فى القيادة العليا، كما أنه من الأهمية بمكان أن يبذل كلا الطرفين جهدا في إيقاف عمل الجنود المشاه الذين أنهكتهم الحرب.

وتجري مباحثات في أماكن أخرى في أفغانستان، وقد تكلفت المجاملات ما يقرب من 88 مليون دولار في برنامج "التكامل" الذي بدأ في العام الماضي بتمويل مشترك من الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وبريطانيا. ويشرف على هذا البرنامج قائد القوات البريطانية الجنرال فيل جونز، وشروط الانضمام إلى هذا البرنامج هي أن يترك المقاتل العمل مع "طالبان" ويقضي ثلاثة أشهر في منزل آمن للتأكد من صدق قراره بالانسحاب. وحتى الآن لم ينضم إلى البرنامج سوى 2000 شخص من حوالي 25 ألف شخص هم عدد مقاتلي "طالبان".

ولم يخلُ هذا البرنامج من بعض الثغرات، فقد هدد أحد ممن انضموا إليه بالرجوع مرة أخرى إلى صفوف "طالبان" لأنه لم يحصل على المبلغ المالي الذي وعدوه به. في حين رفض بعض القادة المتشددين هذا البرنامج وقتلوا بعض من انضموا إليه. ويجعلنا ذلك نطرح التساؤل عن عدد المقاتلين في "طالبان" الراغبين حقًا في إنهاء القتال، وخلافًا للاعتقاد الشائع بأن أغلبهم من الفلاحين الفقراء الذي يحاربون من أجل المال، فأغلبهم يعتقد أن القتال بجانب حركة "طالبان" الإسلامية المتشددة هو من التقوى والتقرب إلى الدين وأفضل كثيرًا من حكومة كابول الفاسدة التي يدعمها الغرب. المشكلة الأخرى هي رغبة "طالبان" في المشاركة في الحكم، أي أن تصبح جزءًا من اتفاق سلام أوسع بأن يتم اقتسام السلطة، ومن الممكن الموافقة على ذلك إذا وافقت "طالبان" على تليين موقفها فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية مثل حقوق المرأة، ولكن يبدو أن الحركة لا تنوي تقديم تنازلات في سبيل الديمقراطية.

وهذا هو الانطباع الواضح من لقاء القيادي السابق في حركة "طالبان" محمد كلام الدين الذي أزالت الأمم المتحدة اسمه من قائمة العقوبات مع 14 قائدًا من "طالبان"، وقد منع كلام الدين مساحيق التجميل والموسيقى والتليفزيون، على الرغم من امتلاكه جهاز تليفزيون في غرفة معيشته، وقال في تصريحات له "لدينا 25 مليون شخص هنا، وإذا تركنا كابول فهناك 24 مليون شخص يريدون الحكم بالشريعة الإسلامية، ولا تعني لهم الموسيقى أو التليفزيون شيئًا". ورغم ذلك، فمع استمرار وقوع قتلى من جانب القوات الأجنبية فإن الكولونيل سافيدج سيستمر في محاولة استمالة المقاتلين إلى وقف القتال والتفاوض.