ذكرت صحيفة "الأخبار" أن ما أعلنه رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط لجريدة حزبه الأنباء يوم 19 تموز، أو من راشيا يوم 25 تموز، وما كان قد قاله من موسكو قبل ذلك يوم 20 تموز عندما تحدّث لأول مرة وصف ما جرى في سوريا بـ"ثورة"، كان أفضى به إلى الرئيس السوري بشار الأسد في لقائه الأخير به في دمشق يوم 9 حزيران.
ولفتت الصحيفة الى انه "باستثناء كلمة "ثورة" عن أحداث سوريا، تطرق الأسد وجنبلاط في هذا الاجتماع قليلاً إلى الوضع اللبناني، إلا أن الزائر اللبناني رغب في محادثة الأسد في الأحداث الدائرة في سوريا منذ آذار المنصرم وإبداء رأيه فيها، واستأذنه في مناقشة الموضوع والإصغاء إلى رأيه حيال ما يحدث هناك نظراً إلى تأثر لبنان بها، ثم استفاضا في الحديث عن الداخل السوري، وكلاهما قال ما عنده وأصغى إليه الآخر في ثنائية ما يجري: الدعوة إلى الإصلاح، والاعتداءات المسلحة التي يواجهها النظام".
واشارت "الأخبار" الى ان "جنبلاط لم يفصح لدى عودته إلى بيروت عن هذا الشقّ في محادثاته مع الأسد، ومع صديقه معاون نائب الجمهورية اللواء محمد ناصيف الذي يمثّل المظلة الواقية له في سوريا رداً على مسؤولين آخرين في القيادة-وبينهم أمنيون-لا يبدون ثقة حيال التعامل مع جنبلاط وينظرون إليه بحذر، ويشككون في معظم مواقفه"، كاشفة ان "الانطباعات التي استخلصها جنبلاط ممّا سمعه، حملته على الاعتقاد بأن تسارع الأحداث يحتّم استعجال تنفيذ برنامج إصلاحي شامل يدعمه الرئيس السوري، إلا أن بعض المحيطين به لا يجارون هذا الاستعجال". وبحسب الصحيفة، فان "انطباعات جنبلاط لم تكتم قلقه على النظام تحت وطأة ضغوط الاعتداءات الداخلية والتدخلات الخارجية، لكنه لمس أن الطريقة التي يقارب بها النظام أحداث سوريا، إلى عامل الوقت، لا تلائم تسارع التطورات رغم ما سمعه من الأسد من رغبة جادة في إطلاق عمل الأحزاب والإعلام المستقل".
على أن سوريا، لاحظ جنبلاط، "لم تتخلص كثيراً، ولا كفاية، من تقويمها التقليدي لدور الأحزاب وواقعها خارج النطاق العقائدي، بما فيها الأحزاب التي أضحت عقائدها منقرضة أو من الماضي. لمّح الزعيم الدرزي يومذاك للرئيس السوري عمّن يقصده بهذا النوع من الأحزاب الجامدة. لم يُخفِ أيضاً رأيه في ضرورة محاسبة بعض المسؤولين الأمنيين عن أخطاء ارتكبوها ضاعفت من وطأة الأحداث وصدام الشارع، فردّ الأسد بأنه عاقب بعض هؤلاء بإقالتهم، أمنيين ومحافظين، من مناصبهم في عدد من المدن وأحلّ سواهم محلهم".
وبحسب "الأخبار"، لاحظ جنبلاط في انطباعاته "محاولات جرّ سوريا إلى نزاعات مذهبية، ولم يخفِ عن المسؤولين السوريين في تلك الزيارة، كما في زيارات سابقة لهم، فحوى ما كان يحدّث به مَن يلتقيهم في لبنان والخارج، أو يتبادل وإياهم مكالمات هاتفية، كتلك التي تكلم فيها بعد أيام على مقتل أسامة بن لادن مع نائب الرئيس الأميركي جوزف بايدن، وحضّه على ضرورة أن تمنح إدارته الرئيس السوري مزيداً من الوقت لإطلاق برنامج إصلاحي لسوريا. إلا أن جنبلاط ميّز باستمرار بين ما يريده الأسد وما تتشبّث به آلة النظام العجوز والمتصلّبة".
ولفتت الصحيفة الى ان "هذا الجانب من ردّ فعل النظام على أحداث سوريا، لمسه أكثر من زائر لدمشق في الأيام الأخيرة قابل مسؤولين سوريين كباراً، ولاحظ وجود فريقين إلى يمين الرئيس وإلى يساره يتجاذبان الطريقة التي يقتضي بها مواجهة هذه الأحداث: الأول يمثله-إلى ناصيف-نائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع والوزير وليد المعلم والمستشارة الرئاسية بثينة شعبان، يفضّل إيلاء الحوار والإصلاحات الأولوية على الحلول الأمنية. والآخر يمثله الأمين القطري المساعد لحزب البعث محمد سعيد بختيان وتؤازره في موقفه،تبعاً لطبيعة أدوارها، الأجهزة الأمنية السورية التي تريد ترجيح الحلّ الأمني على الحلّ السياسي".
وقالت "الأخبار" انه "بين هذين الموقفين، تسود القيادة السورية جدلية عميقة بين الخيارات المطروحة يميل فيها الرئيس إلى أوّلها، إلا أنه ليس من السهل توقع تجاوز الأسد كلياً حزب البعث وتخطّي مكانته في النظام وتأثيره في القرارات، على وفرة تفهّمه واقعاً جديداً في سوريا هو أن ليس في وسعه العودة بسوريا، كما بنظامه، إلى ما كانا عليه قبل 15 آذار الماضي. ولأنه ليس في وارد دفع الوضع الداخلي إلى مجازفة تقود سوريا إلى فوضى شاملة، احتاج الرئيس ولا يزال إلى فريقي وجهتي النظر المتعارضتين بغية توأمتهما بحلّ ثالث".
وذكرت الصحيفة ان جنبلاط "لا يخوض حكماً رهاناً على سقوط النظام السوري، ولا يشعر بأن أحداً ممّن كانوا قد حدّثوه قبل سنوات، من الدول العظمى والنافذة، عن سقوط النظام المحتمل، عندما كان جنبلاط في المقلب الآخر من دمشق، يريد الآن أيضاً إسقاطه".